الضغوط الأميركية واهدافها
غالب قنديل
منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية في أيار الماضي صدرت تقارير أميركية تتحدث جهارا عن تعزيز مكانة حزب الله في الواقع السياسي اللبناني وأبدت إدارة الرئيس دونالد ترامب ميلا واضحا لتصعيد الضغوط على السلطة السياسية اللبنانية وعلى الاقتصاد اللبناني من خلال خطين متلازمين : العقوبات المصرفية والمالية والتلويح بوقف المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن للجيش اللبناني منذ سنوات.
تلك المساعدات هي كناية عن برامج تدريب وتجهيز متواضعة تحجب عن الجيش كل ما يمكن ان يحرك قلق إسرائيل من رفع قدرته على اعتراض خروقاتها المتواصلة للسيادة اللبنانية جوا وبحرا بينما تتكفل العلاقة بين حزب الله والجيش اللبناني بتنسيق منظومة الردع البري منذ أعوام طويلة اعقبت الهروب الصهيوني من جنوب لبنان والبقاع الغربي إلى الخط الافتراضي الأزرق الذي تحرسه وحدات اليونيفيل المعززة منذ حرب تموز بعدما اختبر الجيش الإسرائيلي في تلك الحرب محاولة فاشلة ومهزومة لكسر معادلة الردع التي فرضتها صواريخ المقاومة مع رسوخ التنسيق والتعاون بين الجيش والمقاومة وهي المنظومة المحتضنة شعبيا خصوصا على أرض الجنوب والبقاع الغربي حيث يشعر الناس بالأمان الشديد والمستدام للمرة الأولى منذ نكبة عام 1948 .
يستهدف الضغط السياسي والمالي الأميركي إبعاد الجيش اللبناني عن المقاومة ومنعه من مواصلة التنسيق معها من خلال إثارة شبهات وأسئلة يتردد صداها في الكونغرس عن مصير ما يتلقاه الجيش اللبناني من معونات أميركية ومدى قدرة حزب الله على الوصول إليها نتيجة التنسيق الجاري بينه وبين الجيش.
تتصاعد في الولايات المتحدة مثل هذه الأقاويل رغم علم الأميركيين وفق ما تردده تقارير مؤسساتهم البحثية عن امتلاك المقاومة لترسانة عسكرية ضخمة لا تبدو معها قيمة مقارنة للعتاد والذخائر التي يتسلمها الجيش وهي بلغت أقصاها خلال معركة الجرود التي خاضها الجيش ضد معاقل داعش والقاعدة وكانت للمقاومة فيها مساهمات نوعية تعرفها قيادة الجيش اللبناني وضباط العمليات وقد حاول فريق التنسيق والمساعدة الأميركي التدخل مرارا لتأخير العمليات بذرائع شتى ولكن موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتصميم قيادة الجيش على العملية ومتابعتها للتنسيق مع قيادة المقاومة فرضت خط العمليات كأمر واقع تبدى فيه التناغم الميداني بين الجيش اللبناني وحزب الله والجيش العربي السوري عكس الرغبات الأميركية.
هل يمكن للجيش اللبناني التخلي عن المساعدة الأميركية ؟ بدون شك إنه يستطيع والبدائل الممكنة للحصول على مساعدات غير مشروطة في مجال العتاد والتدريب تتخطى من حيث الكمية والنوعية ما تقدمه الولايات المتحدة وهي تستخدم برامج الدعم التي تبالغ في الكلام عنها والدعاية لها من اجل اختراق المؤسسة العسكرية وتجنيد ضباط من مختلف الرتب وهذا سلوك اميركي منهجي تعرفه جميع الجيوش في العالم. لكن هذا الأمر يستدعي قرارا سياسيا بتنويع مصادر السلاح والتدريب والانفتاح على فرص التعاون مع دول الشرق وخصوصا مع روسيا التي أثبتت تفوق أسلحتها تقنيا في العديد من المجالات وباتت جارة على الصعيد العسكري من خلال تواجدها على الساحل السوري والشراكة معها في الشؤون الدفاعية توفر فرصا جدية لتحقيق الحماية والردع الدفاعي في الجو والبحر ضد الانتهاكات الصهيونية المتمادية لكن القوى المكونة للسلطة السياسية في لبنان تذعن لارتهان كتلها الرئيسية للهيمنة الاستعمارية الغربية وهي تعطل التقارب مع روسيا.
تلاقي حملة الضغوط المصرفية والمالية الأميركية تحت عنوان خنق حزب الله وجمهوره ذلك الابتزاز الأميركي في موضوع المساعدات المقدمة للجيش اللبناني لإضعاف علاقات التنسيق والتلاحم بين الجيش والمقاومة وفي الاتجاهين سعي حثيث للنيل من عناصر القوة اللبنانية في وجه الكيان الصهيوني.
لقد اختبرت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تلك العناصر وشهدت فعلها في جميع الحروب والمواجهات السابقة التي خاضتها منظومة الهيمنة في المنطقة بسائر قواها ومكوناتها واليوم يدور الرهان الأميركي على تفكيك تلك العناصر عبر تأليب الرأي العام ضد حزب الله باستعمال سلاح العقوبات المتصاعد وكذلك بالضغط على قيادة الجيش اللبناني وابتزازها لإبعادها عن أي تنسيق مع المقاومة.
تم في السابق التكيف مع العقوبات والضغوط الأميركية على قاعدة حصر الأضرار فهل آن الأوان للتفكير جديا في توجهات جذرية تحمي لبنان اقتصاديا وتصون منظومة الدفاع الوطني القائمة على تلاحم الجيش والمقاومة علما ان الفرص التي توفرها خيارات بديلة لمنطق الإذعان والتكيف هي فرص جدية وفعالة ومن يبحث يعرف ويستطيع الاختيار.