بقلم غالب قنديل

ظافر الخطيب القائد والمفكر والمناضل الميداني 

 

غالب قنديل

سِيَر القادة الكبار والشهداء العظام تَختصر مسافات زمنية طويلة في حياة شعوبهم وبلدانهم بما تحتوي من دروس وعِبَر تبقى علامات فارقة للأجيال.

بعض الشهداء يسطّرون العِبَر في ومض أعمارهم التي يختصرونها بقرار الرحيل من أجل القضايا الكبرى وفي سبيل تقدم بلدانهم وشعوبهم أو ليؤشّروا بدمائهم وأرواحهم الى مسار كفاحي، لا يلبث أن يستقطب أفرادا وجموعا جديدة في روافد المسار الثوري.

 

ظافر استشهد في توقيت لم يكن من اختياره، لكنه اختار الطريقة التي بها يعبّر عن رفض الظلم والقهر والتمييز على أرض وطنه. وقد شاء تنظيم وقيادة عملية عسكرية لفكّ الحصار عن مخيم تل الزعتر، وكان شعاره المركزي يومها تفكيك أوصال “الكانتون” وقبر مؤامرة التقسيم الرجعية، وقام بنفسه بإعداد الخطة وحشد القوى الثورية المشاركة وتحضير الإمكانات وحبك التحالفات لضمان تحقيق الهدف.

 

كان ذلك المسار الثوري وكلّ حلقة منه تحت شعار عريض للمرحلة. وظافر كان يمقت المرحلية وتنظيراتها ولا ينظر اليها إلا من سياق سيرورة ثورية واحدة ومتصلة، وهو كان يفضّل التعامل مع الهدف الثوري المركزي، الذي حدّد محتواه السياسي والميداني من خلال شعار واضح شكلا ومضمونا.

 

منع التقسيم وقبر هذه المؤامرة الرجعية عبر تفكيك الكانتونات المرسومة لتمزيق وحدة الوطن. وكم كان ظافر حريصا على التمسّك بشعاره الذي كتب عنه في نشرة صوت الشغيلة، التي كان يحرّر معظم مقالاتها ويطبعها بنفسه قبل أن يتلقّفها الرفاق وينشرونها في الأحياء والمدارس والجامعات.

 

لم أعرف ظافر طويلا قبل استشهاده، بل إني للأسف بالكاد تعرّفت اليه في سياق النضال الطلابي في مستهلّ تجربتي من خلال مجموعات طلابية صغيرة، شاركت في تكوينها خلال انتسابي الى كلية التربية في الجامعة اللبنانية وعبر نقاشاتي السياسية والفكرية المتشعّبة مع سائر الاتجاهات والجماعات السياسية اليسارية العريقة والناشئة، ومن ثم عبر انخراطي الحزبي في رابطة الشغيلة.

 

نادرا ما بارح القادة المكاتب والبيوت الخاصة المحروسة والمحصّنة الى ميادين العمل المباشر، وقادة ذلك الزمن كانوا في أغلبهم محاطين بالحرس والمرافقات، وبالكاد يلتقون الناس العاديين في مدار يومياتهم المعتادة وخارج أطر البرمجة والإعداد المنظم والمضبوط مسبقا تلافيا للثغرات والاختراقات.

 

طراز جديد من التنظيم ونمط ثوري من القيادة والأطر السياسية والحزبية أراده ظافر وصمّمه مع رفيق دربه أبو علي إربد حميدي العبد الله، وقد أسّسا رابطة الشغيلة على هذا المنوال، فلا مكاتب ولا مقرات ولا تمويل ولا ارتباطات خارجية، وبعض المقدّرات من تنظيمات صديقة، تخضع لرقابة صارمة في وجهة التصرّف، والرافد الرئيسي كناية عن حاصل اشتراكات ومساهمات أعضاء التنظيم وبعض الأصدقاء الموثوقين.

 

ظافر الخطيب سيبقى علامة فارقة في تاريخ الوطن وفي سيرة البدايات الثورية لتشكّل وعي جديد ونقدي، يتخطّى مثالب التجارب التي انحرفت عن أهدافها وتبقرطت في بنيانها التنظيمي، الذي صار معزولا عن الناس بجدار سميك من الامتيازات والمكاسب غير المشروعة مبدئيا وأخلاقيا.

 

بكلّ صراحة أقول إن تجربة حزب الله وما عرفته شخصيا عن القائد الشهيد عماد مغنية ورفاقه تعبّر عن تلك القيم وتجسّدها وتماثلها، وهذا ما يشعرني باتصال التجارب وتماثلها في مسار النضال الوطني، وحيث لا تفسد مفارقات واختلافات العقائد حقائق التناغم والتماثل، بل إننا بكلّ يقين نشهد لحزب الله بأنه تجربة خاصة، تمتاز بانخراط القادة الميدانيين والنأي عن التبقرط ومقت التحصّن في أبراج عاجية وإعلاء القيم الترابية والتقاليد الحسينية في النضال اليومي، الذي لا يبارحه القادة ولا يتعفّفون عنه أو يأنفون من خوض مساراته.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى