بقلم غالب قنديل

النهضة الفدائية ومأزق الكيان الغاصب

  

غالب قنديل  

تعيش الأرض المحتلة في غليان وتفجر تنبثق في مساره مخاضات نهضة فدائية جديدة تهز الكيان الصهيوني الغاصب وتجعل حياة المستعمرين الصهاينة أشد صعوبة وخطورة وأعلى كلفة.

ميزة هذه النهضة انها تخلف تهاوي فصول الوهم التسووي الاستسلامي الذي شل العقل الفلسطيني وغل الأذرع عن المبادرات بعد الاستغراق في اختبارات الوحل التسووي حيث قبعت أجيال من القادة والناشطين الفلسطينيين داخل  دوائر وهم المساكنة والتسوية مع الغاصب المحتل والغائيته المطلقة.

التناقض الوجودي بين أهل الأرض والاحتلال الصهيوني الغاصب هو الأصل في رسم اتجاه ومجرى التفاعلات والتطورات وتبلور الآفاق الحاكمة لهذا التناقض الوجودي الحي بين السكان الأصليين وغزاة مستعمرين يعملون، وفقا لخطة استيطان إحلالية تنطلق من شطب الهوية وتغيير المعالم وحذف جميع الوسوم والمحدِّدات الأصلية للرموز والأماكن، بحيث يتاح تزييف التاريخ ومسخ الذاكرة وتقديم رواية زائفة بلغة الاستيطان والاغتصاب الصهيوني الإحلالي.

إن ما قام به الصهاينة في هذا المجال يّعدّ فريدا وغير مسبوق في تاريخ البشرية المعاصر. فقد تمّ شطب وتشويه فصول وصفحات مشهودة من تاريخ المنطقة برمّتها لحساب الرواية الصهيونية الزائفة التي فككتها الوقائع الحية الصارخة الناشئة عن تناقض جوهري لا يمكن كبته أو صدّه.

في مدار عقود لم تفلح عمليات التزييف الصهيونية بشطب الذاكرة الفلسطينية العربية. وفي جميع المراحل المتعاقبة منذ النكبة ظلت الحقيقة الفلسطينية ساطعة مضيئة، تفرض حضورها وهالة اشعاعها الذي لم يخبو أبدا، بل بقي متوهّجا تزيده الأحداث قوة وألقا مع كلّ موجة جديدة من العمل الفدائي المنبعث كالجمر وسط رماد النكبات والكوارث.

مع كلّ هزيمة أو خيبة تنطلق موجات استسلام، يغذيها العدو ويراهن على شيوعها وسيادتها حتى تأخذ معها كلّ نبض مقاوم وتبسط حالة من الاستسلام والركون للأمر الواقع، ولكنّ جدل الحياة لا يلبث أن يحيي جذوة الرفض والمقاومة، بحيث تأتي موجات أشدّ عنفا وتجذّرا من سابقاتها بزخم أصالة الصراع.

النهضة الفدائية الفلسطينية هي التعبير الأوضح والأدق عن طبيعة التناقض الأصيل بين الشعب الفلسطيني والغزوة الصهيونية المستمرة والمتمادية. وأهميتها تنبع من طبيعة الحقبة التي سبقتها ورانت فيها أوهام التسويات والحلول، التي تكشفت عن ركام من الوهم الذي سقط وتصدّع في التجارب الدامية والمرّة لأجيال فلسطينية عاشت خيبات الوهم التسووي واختبرت مرارة اللهاث خلف سراب الحلول.

الغد لناظره قريب، وأفق التطور المفتوح في حركة النضال الفلسطيني ودينامية المقاومة، هو الحقيقة التي تعلو على كل التفاصيل وترسم الملامح الدقيقة للمرحة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى