بقلم غالب قنديل

أين موقعنا في زمن التكتلات الكبرى؟ 

غالب قنديل

يشهد العالم تغييرات جارفة مع نشوء التكتلات الكبرى العابرة للحدود التي تضيف الى الخارطة الجيوسياسية مزيدا من القوى والمحاور والأحلاف بعدما كانت لعقود خرائط القوة والتوازن محكومة بثنائية حلفي الناتو ووارسو ما بين القطبين الشرقي والغربي.

المحورية الاستقطابية لا تترك مجالا أو حيزا للخيارات والمواقع المائعة وغير الواضحة في تموضعها لأي من البلدان والدول المعاصرة فالرقع المائعة والتائهة سائبة مسيبة عرضة للتجاذب والاستقطاب واذا كان الانتماء للحيز الجغرافي مسوغا للتكتل فماذا ان جمعت الأقطار الى تقارب الجغرافية عامل اللغة والتراث والانتساب القومي الذي يجعل منها وحدة جيوسياسية عبر المراحل والحقب المتحولة.

 

منذ العصور الغابرة والمشرق العربي وحدة اقليمية باجتماع بلاد الشام وبلاد الرافدين وعلى مر العصور والحقب كان يصعب الفك تاريخيا بين كل من العراق وسورية وفلسطين ولبنان فهذا النطاق التاريخي الحضاري كان متماثلا على الدوام بأقطاره سياسة واقتصادا ينحو الى التكامل والتساوق والتشابك وهو شكل اقليما واحدا ونطاق حياة وتفاعل حي في مراحل كثيرة وقد انصبت جهود وحروب استعمارية لمنع مبادرات الوحدة وسد آفاقها.

 

تحركت الخطط الاستعمارية بدءا من اغتصاب فلسطين واقامة الكيان الصهيوني ثم خطة سايكس بيكو وما تلا من فصول تخريب وتطويق في عهود الهيمنة الاستعمارية بعد قيام الدولة العبرية حيث تركز الجهد الاستعماري في العلن والخفاء على تكريس الاعتراف بالواقع القاهر ثم منع أي شكل من التقارب او الوحدة والتكامل خصوصا بين القطرين سورية والعراق.

 

أدرك الغرب بفعل دراساته الوثيقة للتاريخ وللوقائع أن سورية والعراق هما قلب المشرق وعصبه وتركزت الجهود والمساعي الغربية على الحؤول دون اجتماعهما أو اتحادهما بأي ثمن وقد صبت جهود ووظفت امكانات طائلة للفك والفرقة بين سورية والعراق كلما لاحت سانحة التلاقي والاتحاد من دمشق او بغداد لأن وحدة هذين القطرين يمكن ان تلم وتجذب حولهما بلدانا وأقطارا فتفتح عهدا جديدا من التلاقي القومي يقلب الموازين ويغير المعادلات في المشرق الذي كان يلتهب شوقا لفكرة الوحدة السورية العراقية ويعتبرها المرتجى والأمل الموعود بإنهاض طاقة الإقليم وفرض حضوره.

 

تكرست جهود استعمارية غربية بواسطة الرجعية العميلة وتناغمت مع خطط صهيونية استثنائية لتمزيق المشرق العربي ومنع محاولات الوحدة والتكتل التي انطلقت خاصة بين سورية والعراق بينما أحكم عزل لبنان في قبضة الهيمنة الغربية وأشعل العراق بشقوق وندوب بانت في ثناياها مخالب الاستعمار الغربي أما سورية فحوصرت وظلت بصمودها تقاوم العدوان من كل الاتجاهات والجهات.

 

سورية المستهدفة الصامدة تقف بكل صلابة وتتصدى لوابل السهام التركية كما تقاوم الجيوش الأطلسية وباستمرار النزيف السوري استمر الاضطراب والقلق والنزيف على امتداد منطقة المشرق العربي الممنوعة من الوحدة والنهوض فقد فرضت الحروب والغزوات والتوترات المخيمة على المنطقة بالذات وضعا سوريا مشتتا ممزقا لأن سورية حافظت على قلبها الخافق واحتفظت بمركزية ومرجعية تطلعها القومي رغم الجراح والنزيف المتواصل ففي دمشق رغم كل شيء قيادة صلبة وارادة قومية متماسكة تحررية لم تهن أو تنثني أبدا وهي تمسك بجمر الموقف القومي التحرري.

 

لبنان في هذا المشهد أسير الحيرة والتشتت والأكيد ان تبلور ورسو التوازنات سوف يتيح للبلد الصغير اتخاذ خيار واضح سيقتضي قبل كل شيء اعادة تكوين السلطة ومركز القرار لاتخاذ الخيار الأنسب والأصلح انسجاما مع ريح القيامة القومية والمشرقية المقبلة من دمشق.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى