بقلم غالب قنديل

تبعية أردوغان ونظامه للهيمنة الغربية 

 

غالب قنديل  

العلاقة التركية الأميركية الأطلسية لم تكن يوما ندّية، ولا يمكن للدجل العثماني أن يعفي تركيا، أيّا كان حكامها، من اختبارات الموقف وامتحان الخيارات العميقة في الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين التي كانت ولا تزال منذ عقود مركز خيط “الشاقول” الناظم وحدّ السيف في فرز الخيارات والمواقف.

المراوغة والمخاتلة العثمانية لا تبني ثقة، ولا تنشئ مصداقية في الوجدان العربي الجمعي، الذي يتركّز في موقف دمشق وخيار القائد الأسد ونهجه السياسي المبدئي قوميا ووطنيا في نظر الرأي العام العربي، وكما يعرفه العالم بأسره.

فالحرص على الجوار لا يحتمل تكرار الأغلاط والمراوغة، التي باتت صنو المنهجية العثمانية ودمغة السلوكيات التركية الرائجة في التعاطي مع دول المشرق القريبة والبعيدة بذريعة المصالح، وغالبا بأحادية الترويج لمنافع تركية، باتت أقرب في شبكاتها الى إمبريالية سوق في المنطقة، وهي لا تراعي الحساسيات القومية البالغة حدّ تحريم أي علاقة بالكيان الصهيوني.

العلاقات التركية العربية حقيقة، فرضها قدر الجغرافية، واعتورتها ذاكرة الحقبة العثمانية وما حملت من علامات اضطهاد وعسف وتسلّط وندوب دامية، ما زالت آثارها محفورة وبائنة في الوجدان العربي الجمعي، ولا سيما بالنسبة لبلدان المشرق، التي لحق بها الكثير من الأذى في زمن النير والاستبداد العثماني البائد.

التشوّف التركي يقوم على انفصاميةٍ مفارِقةٍ بادّعاء الانتساب الى الغرب المتحضّر وإضمار نوايا السلبطة ووضع اليد على الأسواق الشرقية لمصلحة الرساميل الغربية وكالةً، وحيث تتوسّل المنافقة التركية غزو الأسواق الشرقية مُنتَدبةً من الشركات الغربية المشغّلة والحكومات الأطلسية المحرّكة لاختراق المجتمعات والأسواق الشرقية بدعاوى القرابة والتماثل، وحتى باستعمال أغلفة منحولة في أعمال التسويق والترويج.

إن الكذبة الخادعة عن تركيا الصناعية، هي خدعة بصرية واختراع إمبريالي غربي، لتورية صفة وظيفية لفروع الشركات الأميركية والأوروبية متعددة الجنسيات، التي قصدت بلدا يتّسم بكلفة إنتاجية أدنى وبالقرب الجغرافي من الأسواق الكثيفة وعالية المردود في المشرق، فاختزلت رساميلها التشغيلية، ونقلت معاملها المنتجة للآليات ولقطع الغيار، ورفعت معدلات الربح الاجمالية التي تراكمها، واحتفظت بالسيطرة على الأسواق التي قدمت فيها خيارات استهلاكية متنوعة، لتجدِّد هيمنتها وتسيدها الإمبريالي.

تناول العديد من الكتاب ظاهرة إنشاء المعامل والفروع الصناعية العملاقة في العالم الثالث، وبيّنوا مكاسب الشركات متعدّدة الجنسيات من هذا التدبير، الذي قُدِّم للعالم بوصفه تعبيرا عن رغبة تمدينية وتضحية حضارية من أجل تثوير وتنوير الشعوب الغارقة في مجاهل التخلّف والبربرية، ونقلها الى حياة التمدّن الصناعي، وما يستلزمه من تغييرات حداثية مُلزِمة ومُلازمة.

الحقيقة التي كشفها وظهّرها الباحثون العلميون والجديون في الغرب نفسه، برهنت على معدل ارتفاع الأرباح والعائدات بنتيجة هذا التدبير، الذي أتاح للشركات العملاقة العابرة للقارات أرباحا خيالية، اقترنت مع منظومات التسهيلات والغوايات التجارية الترويجية المصاحبة لعرض بضائعها وتسويقها عبر العالم، حيث يتحول الترويج السِّلَعي الى فنّ نصب الأفخاخ واصطياد الزبائن.

إن تركيا محكومة بقدر الجغرافية والتاريخ، وهي ستجد نفسها ملزمة بالعودة الى دمشق وطلب الودّ والأخوة وحسن الجوار، وفتح صفحة جديدة من الشراكة والأخوة، التي كانت دافع سورية وحافزها لمدّ اليد من غير ضغائن، رغم كل ما سلف من الغدر والنكران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى