بقلم غالب قنديل

إصلاحات وتعديلات لجمهورية حيّة ومتجدّدة

 

غالب قنديل

يعيش لبنان مفارقة انفصامية فهو يشهد على الدوام ومن غير انقطاع عصفا متّصلا من التطوّر والتجدّد العصري المثير المواكب لأحدث تعبيرات التطوّر والتقدّم في شتّى وجوه الحياة والعيش. وبينما يبرعون في استخدام التقنيات الأحدث في العالم المعاصر استهلاكا وإنتاجا، يتمسّك اللبنانيون بنظام سياسي متحجر سُدّت فيه مسارات التطوّر والتقدّم من قلب التركيبة الطائفية التسووية. وهذا هو مؤشر الانفصام الواقعي بين غليان التطلّعات وارتفاع سقوف الرغبات والرهانات وبين الواقع المأسور والمكبل في أغلال العصبيات والأوهام والقيود الماضويّة.

 

نحن هنا لا نقارب إلغاء القيد الطائفي كليا في سائر مواقع الدولة ومفاصلها، وهو بداهة تعادل التساوي في الحقّ البشري والاعتبار الإنساني، بل نتحدث، حصرا، عن نصّ دستوري قضى بإنشاء مجلس للشيوخ الى جانب تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي، مع الحفاظ على التوزيع الطائفي الحاضر للرئاسات الثلاث، وتكريس العرف باعتبار رئيس المجلس النيابي رئيسا حكميا للمؤتمر الوطني بغرفتيه، أي لمجلسيّ النواب والشيوخ مجتمعين حال التئامهما، مع المداورة بين الدروز والأرثوذكس في رئاسة مجلس الشيوخ الى جانب تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي.

 

هذه الصيغة تناسب التركيبة اللبنانية، وتختصر مسافات زمنية ومجتمعية من التطور. وقد بات لبنان في أمسّ الحاجة اليها، استجابة لتطلّعات الأجيال الجديدة، التي تسجل أشواطا من التجلّي في سباق هضم وتمثّل ومواكبة عصارة التكنولوجيا الحديثة على الصعيد الإقليمي والعالمي. ومن الانفصام والغربة المرضية أن يحافظ اللبنانيون على الصيغة التي نصّ الدستور نفسه على تجاوزها، بالانتقال الى نظام سياسي وهيكلية مؤسساتية مرنة أكثر قدرة على مواكبة الضرورات والاحتياجات ومراعاة الحساسيات المختلفة.

 

الخوف من التغيير، والمساكنة مع السائد والمعتمد، خاصية سلوكية إنسانية عُرفت بقوة العادة، ولكن التزام نصوص وأحكام الدساتير والمواثيق، هو عرف بديهي في بلد شديد الحساسية بحكم التكوين وتاريخ الخضات والأزمات المتعاقبة. والمطلوب هو جسارة الإقدام على خطوة حبست طويلا في طوق محافظة سلبية، سَدّت مسار تطوير النظام السياسي، الذي أراده المشترع، ولم يورده في النص ترفا. ونحن نعلم، من سيرة مجلس النواب والحياة النيابية، أن ما من نصّ لم يخضع للتقليب والتنقيب خلال المناقشات المستفيضة والمتشعّبة.

 

الخوف من الجديد والمستحدث وادمان السائد المعتمد كبداهة هي خاصية انسانية تدفعنا الى الدعوة لمناقشة عامة واسعة ما امكن عبر وسائل الإعلام الجماهيرية لتداول أفكار واقتراحات تتصل بكيفية كسر طوق الجمود والتحجر لإحداث نقلة جديدة في الحياة الوطنية وضخ دم جديد في عروق النظام السياسي.

 

النصوص القانونية لا توضع للترف أو العبث، فكيف الحال مع نصّ دستوري حكمي ملزم وموجب، وقد بات رَكنُه من عقود خطيئة متمادية، لا يجوز دوامها أو السكوت عنها.

 

التجدّد والتحديث المطلوب في نظامنا السياسي، هو علامة حياة واستمرارية، تستحقّ المبادرة والمحاولة. وكم نتمنّى ونرجو أن تلقى الفكرة الصدى المناسب لدى المعنيين، لنفتح أبواب البلد على مستقبل أكثر إشراقا وتألّقا في جميع المجالات.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى