بقلم غالب قنديل

مجلس الشيوخ والغاء القيد الطائفي نيابيا  

غالب قنديل

يراوح مركونا على رفوف الإهمال والتجاهل أحد أهم البنود الإصلاحية في اتفاق الطائف، وهو الانتقال الى نظام المجلسين بانتخاب مجلس للشيوخ، تلازما مع تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي وتثبيت الرئاسات الثلاث بتوزيعها الطائفي الراهن.

الدول التي تعتمد نظام المجلسين يرأس فيها رئيس البرلمان الكونغرس حال اجتماعه بغرفتيه نوابا وشيوخا، وبالتالي فالمؤتمر اللبناني، الذي سيضم مجلسي النواب والشيوخ سيكون برئاسة رئيس مجلس النواب، وهو أمر تحتّمه خارطة التوزيع الطائفي للرئاسات الثلاث. علما أن رئاسة مجلس الشيوخ ستكون على الأرجح مطروحة للمداورة بين الدروز والأرثوذكس بما يراعي التركيبة الطائفية اللبنانية.

 

هذه النقلة في البنيان الهيكلي للنظام والمؤسسات الدستورية، وفي الحياة السياسية، سوف تمثّل خطوة كبرى الى الأمام، تطوّر الحياة السياسية في لبنان، وتمدّها بأسباب الحيوية والدينامية، وتفعّل البنيان المؤسّسي والهيكلي للنظام اللبناني بصورة تجعله أكثر قابلية للتطوّر ومواكبة الأجيال الشابة والفتية الطالعة من خلال إرخاء قبضة العصبيات الطائفية والمذهبية على الشؤون العامة، دون تجاهل أو إنكار الواقع الطائفي وأثره التراكمي على صعيد المجتمع وتقاليد العمل العام.

 

على المدى الزمني وبالتقادم سيكون بديهيا تراجع الأثر المباشر للاصطفافات الطائفية في التخندق السياسي لصالح البرامج والمشاريع والخيارات، وسيكون مجلس النواب ميدانا لتباري الأفكار والبرامج والمشاريع. بينما يحافظ مجلس الشيوخ على إيقاع التعامل مع القضايا، التي تثير حساسيات الطوائف والمذاهب اللبنانية المختلفة بتوازن لا بدّ منه لصيانة الوحدة الوطنية والتماسك الوطني والاستقرار المستدام.

 

لم يكن اقتراح المجلسين في نصّ اتفاق الطائف ترفا سياسيا أو فذلكة بلا مبرّر، بل هو الحلّ الذي اختاره المشرّعون اللبنانيون في شقّ الطريق الأجدى لوضع لبنان في حلقة الانتقال الى بناء دولة حديثة أكثر ديمقراطية وتطورا ومراعاة الخصوصيات التكوينية للمجتمع اللبناني.

 

إن مرونة المؤسسات والنصوص بصورة موالفة للبنيان المجتمعي توفّر ضمانا راسخا لتطوّر سلمي مستدام للحياة السياسية والمؤسّساتية، وهي تعصم البلد من مخاطر الوقوع في دوامة الخضّات الأهلية ودورات الاحتراب السياسي والعنفي، التي يقود اليها احتدام التناقضات الداخلية وتَفجّرها لاعتبارات داخلية أو إقليمية، سواء كانت سياسية أم عنفية.

 

تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي سيحدث نقلة هائلة في الحياة السياسية والبرلمانية، وسيردّ الاعتبار للنيابة، بما هي تمثيل لدائرة انتخابية ولمجمّع الناخبين ولقضاياهم ومشاكلهم الملحة وطنيا وجهويا، بحيث تتّخذ النيابة محتوى أكثر حداثة، وترتقي الحياة السياسية والحزبية على أوسع نطاق. في حين يمكن لهذا التطوّر بذاته أن ينعكس في اختيار الشيوخ، الذين يُنتخبون الى مقاعد الغرفة الثانية في المؤتمر الوطني. إننا نقترح الشروع فورا في مناقشة هذا الإصلاح الدستوري المستحق، ووضعه قيد التنفيذ دون إبطاء.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى