بقلم غالب قنديل

الترسيم وحقيقة الإنجاز اللبناني

 

غالب قنديل

الترسيم البحري الذي أنجزه لبنان وحقّق به انتصارا سياسيا وفتحا اقتصاديا نوعيا تمّ بدون أدنى مساس بمبادئ الموقف السيادي الوطني الرافض لأي علاقة أو تطبيع مع الكيان الصهيوني. وما تمّ، هو إنجاز وطني نظيف، من غير أيّ غبار أو شبهة في مجال الموقف من الكيان الصهيوني ورفض التعامل معه.

في هذا الحاصل المشرّف ما يُحسب للدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها ورئاساتها، وكذلك لسائر المسؤولين والدبلوماسيين والموظفين، الذين تعاملوا مع هذا الملف الحساس بدقة استشعار الشبهات وتلافي الهفوات بكل أمانة وحزم.

 

الرصيد الأصلي للإنجاز، هو للمقاومة، التي وجّهت الرسائل، ورسمت خطوط الاشتباك بجاهزية واقتدار تركت عند العدو ورعاته رهبة ظاهرة وارتعابا مقيما من خطورة الاشتباك، وهي التي أكسبت بلدنا الصغير وزنا نوعيا وجعلته قوة مهابة ودولة محترمة.

 

البلد المقاوم الصارم والحازم في موقفه الوطني حقّق إنجازا تاريخيا دون أيّ تنازل أو مساومة. وبكلّ وضوح نقول إن المقاومة الصاحية والحارسة ميدانيا وسياسيا، هي التي أتاحت للبلد تلك الحصيلة، وفتحت عهدا جديدا لتطوّر لبنان الاقتصادي بإطلاق قطاع الاستخراج، وما سيبنى عليه وينشأ عنه.

 

بعد مباشرة الاستخراج ستنطلق وتتنامى الصناعات البتروكيماوية المشتقّة والمصاحبة لقطاع النفط والغاز، كما هي الحال في سائر البلدان ذات الاقتصاديات والموارد، التي تعتمد على ثرواتها النفطية والغازية، مع فارق التميّز اللبناني بتنوّع الموارد والثروات والقطاعات الاقتصادية القابلة للتطوّر والنمو.

 

بمستطاع لبنان التأسيس لنهضة اقتصادية شاملة من نقطة انطلاق صعبة في هاوية الانهيار الكبير. فالجمع بين تنمية القطاعات الإنتاجية، القابلة للتطوير، كالزراعة والتصنيع الزراعي، بالرعاية والحماية وبالتخطيط المكثّف في الزراعة والصناعات المرتبطة بها، وبين السياحة التي يمكن تطويرها وتوسيع نطاقها وتحديثها، ربطا بالتواصل الوثيق إعلاميا وانسانيا مع الاغتراب اللبناني، حيث يمكن استقطاب الرساميل والطاقة البشرية النوعية المؤهّلة الى ورشة تنمية اقتصادية شاملة.

 

المسألة هي قبل كلّ شيء في توافر الإرادة السياسية القادرة على فرض التحوّلات، وانتشال البلد من بؤر النزيف الخطير. وهنا نقول إن نقاشا وطنيا لا بدّ أن ينطلق بعيدا عن المماحكات الظرفية والآنية، لبلورة تصوّر شامل، يصلح كبرنامج حكم ورؤية شاملة لكيفية إنهاض البلد اقتصاديا وانتاجيا، ووضع حدّ لمسار الانهيار.

 

لا مجال في الحياة الواقعية لأحلام اليقظة ولا للرهانات الافتراضية. ويفترض باللبنانيين البحث عاجلا في سبل إنهاض البلد من كارثة مقيمة، والتقاط الفرصة الثمينة بكلّ دقّة واحتراز. وذلك هو حاصل عِبرة التجربة بعيدا عن الثرثرات الفارغة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى