بقلم غالب قنديل

خلفيات استهداف إيران والتحصين المنشود 

 

غالب قنديل  

تفرض القوى الإمبراطورية الغربية المستعمرة والمهيمنة في العالم أحطّ نماذج الاستغلال والاستلاب واللصوصية والتنميط والاغتراب الانفصامي، الذي يعمّ مجتمعات الغرب الصناعي، وحيث تنال النساء قسطا كبيرا من فعل التنميط والتسليع والاستلاب الاستهلاكي والسلعي، وقد استُعمل جسد المرأة في تسويق العناوين التجارية، وعُمّم انفصام شامل للعلاقات الإنسانية بين النساء والرجال لصالح التسليع والتسويق التجاري والاحتكارات العملاقة القابضة.

لسنا مع التزمّت الإيراني الرسمي في التعامل الاجتماعي والقانوني مع أزياء النساء وحقّهن في اختيار اللباس المناسب والمعاصر، الذي يستسغنه ضمن نطاق الحقّ الشخصي في الاختيار بمعايير الذوق العام مع احترامنا وفهمنا لتاريخية ما مثّله الحجاب من رمزية في مقاومة نظام الشاه قبل الثورة، وما جسّده الحجاب على النقيض من رمزية في الثورة والانتفاض على الظلم والاستبداد.

من مصلحة إيران قطع الطريق على الاستثمار الغربي والأميركي دون التفريط بهويتها الفكرية والسياسية وخيارها التحرّري، ولكنها بحاجة لمنع إحداث فجوة مجتمعية يعمل المخطّطون الغربيون، والأميركيون بالذات، لإحداثها وتوسيعها عبر حملات مخطّطة تستعدي النساء الإيرانيات على نظام الجمهورية، الذي كان للنساء دور حاسم في انتصاره وقيامه.

كانت مشاركة النساء الإيرانيات في فجر الثورة وسنوات البناء الممتدة عميقة ومشهودة، وما تزال المرأة الإيرانية شريكا حاسما في مسيرة الجمهورية، بعدما عانت الظلم والاضطهاد، الذي عاشه الإيرانيون جميعا في زمن الشاه. وليتذكر كلّ متابع أن اختيار الحجاب رمزا لمقاومة النظام الاستبدادي كان ردة الفعل الطبيعية على فرض الشاه للسفور القسري على النساء الإيرانيات، اللاتي اخترن الحجاب إشهارا للاحتجاج ولرفض الظلم والتعسف.

العقود المنقضية على انتصار الثورة ورسوخ النظام الجمهوري، هي الدليل على موالفة مصالح الشعب، وثبات هيكل سياسي مجتمعي متقدّم، وضع إيران في مصاف الدول الفاعلة والمتطورة في العالم بتقدّمها العلمي والتقني والصناعي وسائر قدراتها وإمكاناتها الهائلة، التي مكّنتها من لعب دور حاسم في محيطها القريب والبعيد، نتيجة جهود جبارة بذلها الإيرانيون نساء ورجالا، واستطاعوا بها تحقيق مكانة مميزة لبلدهم، واكتسبوا كل الاحترام والتقدير من الشعوب الصديقة.

إن تحصين التجربة الإيرانية المجتمعية وتأصيلها أمر يهم سائر معتنقي فكرة التحرّر من الهيمنة في منطقتنا. ويؤلمنا أن تغفل البصائر، التي نثق بقدراتها، عن ثغرة خطيرة، يسعى الأعداء لاستثمارها في التوهين والتضليل. بينما يمكن تلافي اللغط والضجيج المؤذي، وحجب أضراره بتدبير حكيم، يقيم الاعتبار لحقّ النساء الإيرانيات في اختيار ما يناسبهن من الأزياء والألبسة ضمن اعتبار المعايير الاجتماعية الطبيعية. كنّا وما نزال مؤمنين بدور الجمهورية الإسلامية وموقعها التحرّري في عالمنا ومنطقتنا، وما نجده سبيلا لتحصين مكانتها ودورها كمنارة تحرّرية مشعّة، يقتضي مبادرة في هذا المجال، نأمل من السيد الخامنئي اتخاذها في سياق ريادته كقائد ومرشد لثورة عظيمة، ولجمهورية عملاقة رائدة، تناصر قوى التحرّر في الشرق والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى