بقلم غالب قنديل

الترسيم انجاز وطني يستحق الاحتفال  

 

غالب قنديل

 

ما تمّ إنجازه في معركة الترسيم البحري مع العدو الصهيوني قدّم نموذجا دقيقا لتكامل عناصر القوة في بلد كان قبل زمن المقاومة وقدراتها الرادعة الهادرة دولة مستضعفة مهيضة الجناح مستباحة السيادة. وقد عانت طويلا من تنمّر العنجهية الصهيونية والغطرسة العدوانية في استباحة البلد الصغير واستضعافه حتى قامت فيه مقاومة امتلكت قدرات هادرة وقوة ردع باتت قرينة أسوأ الكوابيس الصهيونية منذ التحرير عام ألفين.

بعد حرب تموز ومعادلات الردع، التي حفرت عميقا في الذاكرة والوعي الجمعي الصهيوني، أنشأت المقاومة واقعا إقليميا حاكما عصيا على الزحزحة، مع يقين العدو والصديق بأن في لبنان قوة شعبية ضخمة مقاتلة مدربة ومنظمة، تمتلك جيشا من الخبراء والمهندسين، يعملون بلا انقطاع لتطوير أدوات الردع وابتكار المزيد من السلاح الحديث والمتطور، الذي باتوا يتقنون تصنيعه وتحديثه وتدقيقه بشكل برهنت عليه التجربة الميدانية، ما رسم هالة من الهيبة، وصاغ ملامح صورة عن قدرة نوعية، هي عنصر حاسم في توازن القوى الإقليمي.

 

هذه العناصر الحاسمة في توازن القوى تقع في خلفية التعامل الصهيوني والأميركي مع ملف الترسيم البحري، مع أزوف استحقاق الاستخراج والضخ من بحر فلسطين المحتلة، وحيث بات الرضوخ الجبري أمام لبنان أمرا لا مفرّ منه تحت سيوف الردع. وقد أحكمت الدولة اللبنانية بجميع أركانها حبك التفاوض حول الحقوق البحرية سياسيا وتقنيا، بحيث سدّت الثغرات المحتملة. وقدم البلد نموذجا مثيرا للاحترام والتقدير في إدارة دقيقة ومتقنة لانتزاع حقّ وطنيّ سيادي.

 

ما تمّ التوصل اليه هو إنجاز وطنيّ يستحق التنويه والاحتفال والتقدير لكلّ جهد ومساهمة تقنية وإدارية وسياسية ساهمت في بلوغ الحصيلة المعلنة. وننحّي جانبا جميع العنعنات والملاحظات، التي قد يفترضها البعض وجيهة أو مقبولة أو قابلة للنقاش والبحث. ويفترض الإقرار للدولة اللبنانية بجميع أركانها رؤساء ومسؤولين على جميع المستويات العليا والتنفيذية بفضل هذا الإنجاز. ولنلقي جانبا كل المماحكات الهامشية وغير المجدية، لنتطلع الى المستقبل بواقعية وثقة.

 

يتحفّز البلد لولوج مرحلة تاريخية جديدة اقتصاديا وماليا وتقنيا وإداريا، يفترض التحضر لها باستنفار الخبرات والكفاءات اللبنانية المؤهلة للمشاركة في توفير أفضل السبل والخبرات الممكنة في التعامل مع الوضع الجديد، مع التشدّد في التأكيد على تنوع الموارد الوطنية والحفاظ على توازن يقي لبنان من الانحرافات الأحادية القاتلة، التي عانى منها البلد مع إهمال القطاعات المنتجة والاعتماد على الخدمات والسياحة التقليدية بعيدا عن أيّ تحديث وتصنيع.

 

مبدأ تنويع الموارد، الذي يعدّ من بديهيات الاقتصاد المعاصر، يعزّز بهجة المكتشفات والموارد الموعودة، دون أن نطمس أو نغفل أهمية تنمية الموارد والثروات المتاحة وفرص التطور الكامنة في الصناعة والزراعة والسياحة. فالرؤى الاقتصادية المستقبلية يفترض أن تكون شاملة ورؤيويه وغير أحادية قابلة لاستثمار سائر عناصر القوة وتعظيمها ومعالجة مواضع الضعف والوهن.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى