بقلم غالب قنديل

بهجة النفط الموعود وغفلة الكنز الموجود

 

غالب قنديل

لا نرغب في تنغيص ابتهاج أو تبخيس احتفال مستحق، وله وجاهته في ظرف اقتصادي ومالي حرج وشديد الضغط، جاوز مستويات غير مسبوقة منذ عقود.

يقول المثل الدارج إن الغريق يتعلق بقشة، ومن الطبيعي والمفهوم أن تسود أجواء من المبالغة في الاحتفال، لكن يخالف أيّ منطق الاستعجال، بل والتسرع، بارتقاب فيض من المال على الخزينة الناضبة بمجرد اعتلام إشارة أن البلد بات على أبواب امتلاك مورد من ثروة كامنة، حُيِّدت عن الأنظار والاهتمام لعقود مضت، وقد استُحضر وجودها لمّا تحرك العدو على ساحل فلسطين المحتلة، وبات على قاب قوسين من مباشرة الاستخراج.

 

في ظنّ البعض أن تقارير جدية وعلمية عن عمليات استكشاف جيولوجية برية وبحرية، أظهرت وجود النفط، أخفيت منذ عقود عن اللبنانيين بقصد، ليبقى البلد في غفلة عن وجود تلك الثروة التي لم يشغل البحث عنها أحدا في سكرة الفورة المصرفية الخدماتية التي غمرت لبنان وفاضت عليه بفيئها لعقود. ويقينا، إن أجواء وأصداء الكارثة اللبنانية الحاضرة تفسّر درجة الانفعال الوطني بأخبار الفرصة البحرية التي أطلقها الخبر السعيد.

 

الأكيد أن تحضيرات كثيرة مستحقة، ويفترض إتمامها، وهي تحضيرات لوجستية وطبوغرافية وميدانية وقانونية تسبق الشروع العملي في التنقيب والاستخراج، قبل أن نلغو بأفق التحوّل الى دولة منتجة للنفط والغاز، تستطيع التحوّط للصعوبات بصندوق سيادي لثروتها المكنوزة وتسييلها في السوق بإمكانات وقدرات انتاجية واستثمارية كبيرة.

 

حتى لا نقع في دوامة أحلام اليقظة والتخيلات الافتراضية ينبغي التصرف على قاعدة السعي المنهجي والعلمي لاستثمار الفرصة بواقعية، ومن زاوية التحكم بها كمورد قادر على رفد الاقتصاد الوطني بإمكانات جديدة وإنهاض فروع منتجة، يمكن استحداثها وانشاؤها على ضفاف المكتشف الغازي في بحرنا، الذي يستحق مع برِّنا مسحا شاملا حديثا يبين بواطنه المغلقة، ويفكّ ألغازه العلمية والاقتصادية. فثمة أقاويل وتكهّنات وبعض معلومات عن معادن في بعض الهضاب والقمم، وغير ذلك الكثير.

 

كلمتنا الأخيرة أن هذه الفرحة والاحتفالية المستحقة يجب أن لا تطمس في نظرنا وعقولنا خراب ما أتلفنا من ثروات الى اليوم، بتحويل أنهارنا الى مجارير وإتلاف الكثير من مزايا الزراعة وفرص التصنيع الزراعي والصيد، بعدما حوّلنا بحرنا وأنهارنا الى مستنقعات نفايات وأوساخ وشواطئنا الى محميات، يستثمرها النافذون وأصحاب الأموال، ويتمتّع بها القادرون. بينما تُركت فسحات برية على السواحل للبسطاء وسط التلوث.

 

لبنان يستحق نهضة تكنس تلك الأدران، وتضع قيد البحث فكرة التأسيس لتحوّل منتج لتنمية الموارد الوطنية وتنويع مصادرها، بدلا من أحادية سريعة العطب، كما برهنت التجارب المرّة، وصولا الى الانهيار الأخير. تستحق الاحتفال بشارة النفط والغاز، بينما نجدّ السير الى تصحيح أحوالنا، فذلك أجدى وأجمل.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى