بقلم غالب قنديل

تصعيد الناتو ضد روسيا والصين: الدوافع الفعلية 

 

غالب قنديل

قدّمت الحملات الغربية ضد روسيا والصين بيان إثبات جديد لمن لا يريد أن يعترف أو يفهم أن أوروبا بقضّها وقضيضها وادعاءاتها ليست سوى ملحق أميركي تابع. فعندما تصدر الإشارة الأميركية تنصاع دول غرب أوروبا وتذعن وتسير خلفها في الطابور، تردّد المعزوفة نفسها من غير حاجة الى طلب صريح، ودون تدقيق أو تمحيص أو حتى حيلة تحفظ ماء الوجه، إلا اذا اقتضت الوظيفة تمايزا مصطنعا في اللهجة والنبرة .

ما أدقّ من البرهان في الحملة الغربية ضد روسيا والصين، اللتين رغم قدراتهما الهائلة اقتصاديا ليس في واقع مواقفهما وخياراتهما أي أثر لغطرسة أو عدوان، على طريقة الإمبراطوريات الغربية القديمة والمستجدّة، التي تجمعت سلوكياتها وخبراتها ومآثرها بكلّ صلافة وغطرسة في النموذج الأميركي البشع، الذي يختزن عصارة عهود من الاستعمار والاستئثار والنهب اللصوصي، وأبشع نماذج الهيمنة والاستتباع بكلّ الأشكال والأنماط، بل أحطّها وأشدّها صلافة وقذارة في تاريخ البشرية.

 

روسيا والصين تتبعان سياسة مسالمة نحو العالم، وبعد البناء الذاتي المكتمل والناضج للقوة الاقتصادية المتقدمة والمتطورة بالقدرات الذاتية المستقلة، وبتمكّن تام وقدرات هائلة في منافسة التطور الغربي، تتسم منهجية كلٍّ من موسكو وبكين بنهج مسالم وغير عدواني في العلاقات الدولية، وبحرص أكيد على الندّية والتكافؤ في الشراكات والتحالفات.

 

ليس من الفراغ أن الأميركي البشع يستنفر قواه وأدواته لمطاردة التحركات الروسية والصينية، وعلى نحو يعكس درجة عالية من العدائية والحقد والغل، والأصل هو التماس خطر انبثاق نموذج منافس في العلاقات الدولية، يغلّب التناظر والتكافؤ، وينبذ الاستتباع والهيمنة. وقد ساد في الغرب بسائر عواصمه منطق استشعار الخطر، رغم حرص موسكو وبكين على نهج مسالم ومنطق بنّاء في التعامل مع العلاقات الدولية بعيدا عن فرضيات الأحلاف العسكرية والنظر الى أيّ قوة أخرى منافسة في العالم بوصفها عدوا.

 

النماذج التي قدّمتها روسيا والصين في علاقاتهما بالدول الأخرى تميزت بشراكات ندّية، وقامت على المصالح المشتركة والمتكافئة بعيدا عن منطق الاستتباع والاسترهان اللصوصي المتأصّل في العلاقات الغربية بالعالم الثالث. وكثيرا ما قدّمت الصين وروسيا هبات ومساهمات مشهودة من خلال مساعدات وقروض طويلة الأجل بفوائد رمزية للعديد من البلدان، ووفّرت بهذه السلّة مقومات ثورات صناعية ونهضة زراعية شاملة في الكثير من دول العالم.

 

إن الولايات المتحدة تلتمس بوضوح خطرا على الهيمنة الأميركية في العالم من خلال نماذج الشرق الصاعدة وشراكاتها المجزية مع العالم الثالث. وقد أضيقت الى سلّة الخيارات الشرقية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقدراتها الهائلة وبثورتها التكنولوجية، وما تبيّنه من قدرة على التقدّم في بناء إمكانات وقدرات، تثير حنق الغرب وغيظه، وهي تمثّل نموذجا في التطور التكنولوجي والاقتصادي المذهل بما ظهر من علائمها ونذرها في جميع المجالات.

 

التصعيد الأميركي والغربي للحملات لن يفلح في وقف تطور متعاكس لنموذجين مفارقين من العلاقات والشراكات مع العالم الثالث، ولا في حسم المفاضلات والمقارنات لصالح نموذج الهيمنة الأميركية الغربية اللصوصية. وغني عن البيان أننا في الشرق العربي نفيء بوافر البذل الإيراني، الذي تنوعت مآثره وميادينه في سورية ولبنان. وإذ نحمل كلبنانيين أسمى الاحترام والتقدير للأصدقاء الروس، يؤسفنا أن نظامنا الخليع المستلب يدير ظهره للعروض الروسية الكثيرة والسخية رغم الحاجة الماسة، ليبقى بلدنا بفضل هذا النهج حبيسا في عته انخلاع وارتهان بعيدا عن فرص النهوض الحقيقي المتاحة شرقا.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى