بقلم غالب قنديل

الواقع السياسي الفلسطيني والمأزق الخطير

 

عالب قنديل 

تواجه الحركة السياسية والنضالية الفلسطينية، منذ زمن بعيد، أزمات ومشكلات معقّدة، تركت تأثيرها على القضية الحية، التي تكثّف فيها وتفرع عنها وتشابك معها مسار النضال التحرري الوطني والقومي في البلاد العربية، ولاسيما في منطقة المشرق، الجوار الأقرب لفلسطين، والبلدان المجاورة لها، والتي يقطنها شتات اللجوء منذ النكبة.

إن كان تاريخ النضال التحرّري الفلسطيني قد شهد نكسات وانعطافات خطرة بفعل تشوهات خطيرة وانحرافات أخطر، فإن التجربة تثبت حيوية الشعب وقدرته على إنتاج نخب متعاقبة، تنكبت الراية وأبقت حلم العودة والتحرير حيا، رغم التكالب والسعار والخبث في الخطط الاستعمارية الصهيونية الرجعية، التي هدفت لتصفية القضية ومنع انبعاث وهجها من جديد.

ظنّ المخططون أنهم أنهوا القضية الحيّة منذ كمب ديفيد ثم اتفاقات أوسلو، التي ظنّها الصهاينة خاتمة المطاف في الإجهاز على قضية شعب ووطن سليب، لكن أجيالا فلسطينية شابة صفعت العدو والمتواطئين معه والواقفين خلفه.

وقف الجميع مخبولا أمام فتيان الحجارة ثم أمام جيل فدائي جديد، يرث أمجاد العمل الفدائي وروحه وبأسه الأول بانبعاث النضال الوطنيّ المسلّح من الداخل بأنماط وأشكال جديدة، يبدعها ويطورها شباب فلسطيني متعلّم ومثقّف تكوّن وعيه النقدي في مخاض خيبات وهزائم متلاحقة خلال العقود الماضية.

التداعيات التي تولّدها الموجات الفدائية المتجدّدة من خلجات روح المقاومة والثورة بين فلسطينيي الداخل المحتل تلهب الملايين وتبعث الأمل من جديد بعد الخيبات والهزائم والنكبات، وهي ستحيي جذوة شعلة التحرّر والثورة والتصميم على التضحية. من هذا المنطلق تنسج التطورات الفلسطينية المتراكمة داخل الأرض المحتلة بشائر تحوّل ثوري، سيكون تأثيره العميق والأكيد في سائر أنحاء الشتات، وخصوصا حول فلسطين السليبة.

المفارقة الخطيرة المستمرة، هي أن الهياكل البيروقراطية المتحجّرة في محيط فلسطين المحتلة تبدو الأشدّ خمولا وقعودا وتنبلة.  وقد ركنت الى ما بقي لها من وهج المجد الغابر، وهي بالكاد ترفع صوتها، بينما يغلي الداخل الفلسطيني بالمواضيع الملتهبة والحيوية. لكن التنبلة وإدمان القعود والتفرّج والخمول باتت طاغية على جيل، تنحى عن ميادين الكفاح منذ عقود، وانحلال أخطر ما فيه يأس وإحباط، يناقض جوهر الوجدان الشعبي اليقظ والمبادر في أسوأ الظروف.

تحوّلت منظمة التحرير الى هيكل عاجز، يعتاش على حقن النفط، بينما هياكل السلطة، التي قامت تحت الاحتلال وبرعايته في الضفة وغزة، ليست سوى بؤرة لموبقات المساكنة مع الغاصب والتعامل معه والغرق في عار التنسيق معه والتحرك بإمرته لاعتقال الفدائيين واغتيالهم بكلّ خساسة وبشاعة. والعار أن ذلك يجري تحت رايات فلسطين وباسمها في أبشع تزوير وانتحال يندى له الجبين.

الحقيقة الساطعة التي تثبتها السنن التاريخية أن القضية الحيّة ولّادة بطبيعتها، والشعب الفلسطيني يختزن ثقافة ووعيا وخبرات تراكمية على مرّ أجياله التي تعاقبت على  حمل راية التحرير والعودة، وتختمر فيه حالة من الثورة المتجددة، التي لن تلبث أن تفاجئنا بانبعاثها ونهوضها، كما حدث دائما منذ النكبة المشؤومة. لا ندعو لانتظار التطورات، بل مباشرة العمل والتحرّك لتطوير نقاش معمّق من الآن حول سبل استنهاض النضال الوطني المقاوم بكلّ أشكاله، وتنظيم المبادرات المنهجية وتوحيد الرؤى والجهود في مسارها السياسي والنضالي المقاوم.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى