بقلم غالب قنديل

أربعون عاما من التضحية والإنجاز والتواضع

غالب قنديل

أدمن العقل السياسي العربي نمطية الإسقاط والاستنساخ في التعامل مع الواقع وتحدياته. وإن درسنا تجارب الحركات السياسية الوطنية والثورية في بلادنا بسائر نماذجها وتجاربها المعاصرة، لوجدنا أنها تطابق هذا التوصيف، الذي هو ثمرة معاينة دقيقة ومواكبة حثيثة ومباشرة للعمل الوطني طيلة ما بات يقارب الخمسين عاما وأكثر. وقد تعاقبت فيه فصول أزمات وصعوبات وحروب ونكسات.

 

شهدت الأربعون انتصارات تاريخية، كما توالى على مواقع القيادة والصدارة حشد من الأحزاب والتنظيمات والقوى الوطنية، التي قدمت مساهمات وتضحيات مشهودة. وقد جمعتني علاقات وصداقات وثيقة وحوارات مع كواد وقادة، ولكن تجربة حزب الله، التي عايشتها وواكبتها عن كثب، كانت متميّزة نوعيا بنضجها ووعيها وتواضعها، لامعة في إبداعها السياسي والعملي، وفي منهجها الحركي المؤسَّس على مبدأ وأخلاقيات التفاني في الدفاع عن الشعب والوطن.

 

تأسّس حزب الله على نبذ الاستعراضية، وتَبتَّل في سبيل القضايا الوطنية والمصيرية بزهد منقطع النظير، وبتواضع يزيده مهابة وتأثيرا الدى العارفين والأصدقاء والمواكبين. والأقوى بلاغة ووقعا ومرارا ما ردّده مواكبون ومتابعون أن قوة الحزب لو قُيِّضَت لأيّ جهة وطنية أخرى، ومعها سيل انتصارات وانجازات مبهرة، لفرضت معادلتها باحتكار السلطة السياسية دون أيّ شريك، وصرفتها بمكاسب وامتيازات لا تُحصى ولا تُحصر.

 

الحزب المشهود لإنجازاته التاريخية الكبرى والعظيمة، لم يستعرض أيّا من ملامح قوته. واكتفى بما تراكم في اعترافات الأعداء والخصوم، بدءا بالكيان الصهيوني، الذي اعترف قادته بذلك جهارا. وهو أبلغ الشواهد على الانتصارات والإنجازات، التي يعرفها الناس مباشرة، وباتت منارات مضيئة في ذاكرة الشعب ووجدانه، يحفّ بها احترام وتقدير صادق عميق، وهيبة وثقة، لم يسبق أن حظي بهما أيّ حزب أو فريق لبناني.

 

إن ما أعلن من عزم على توثيق التجربة وفصولها، هو بذاته تحوّل ثوريّ، لأننا سنكون أمام حصيلة شديدة الغنى، تستحق الدراسة والتدريس، حتى تبقى الذاكرة الحيّة الغنية بالشواهد والشهود، وتتكثّف انطلاقا منها دروس وعبر. وكلنا ترقّب وشوق لهذا العمل النوعي، وما سوف ينتج عنه، وما سيصدر في حصيلته.

 

استرجاع الحاج محمد عفيف للظرف التاريخي والسياسي، الذي أعقب الاجتياح الصهيوني كانت علامته الفارقة الموضوعية والأمانة التاريخية لتضحيات قوى وأحزاب، تصدّرت العمل الوطني في السابق، وبينها أحزاب عريقة لا يستهان بانتشارها ووزنها ودورها وتأثيرها. تسطير هذه الحقيقة الموضوعية بأمانة، هو شاهد على ايثار وأصالة الحزب، الذي بات في مواقع الريادة والقيادة أكثر تواضعا وتساميا.

 

الأربعون فيها حصاد انتصارات وانجازات تراكمت وتعاظمت، حتى فرضت انقلابات استراتيجية كبرى، كما نسجت هالة من الهيبة والإعجاب والاحترام حول حزب الله لدى الأصدقاء والحلفاء في لبنان والوطن العربي والعالم. وجميع المهتمّين والمتابعين يُبدون تأثّرهم بالتواضع ورفض الاستعراض والترفّع عن الأنانيات الحزبية والفردية، بل والزهد المبنيّ على نبذ المكاسب الذاتية والأغراض الخاصة، من ضمن ثقافة وتقاليد التكليف وأخلاقيات الاستشهاد. وما يظهر على سطح الحدث والمخرجات الإعلامية والثقافية، هو البعص القليل مما تراكم على مرّ هذه الملحمة المستمرّة، مما يمثّل رصيدا كبيرا لهذا الحزب المناضل وللوطن، يُبنى عليه. وسوف يُبنى بكل تأكيد مزيد من الانتصارات والإنجازات وطنيا وعربيا وعالميا.

 

تحية إكبار لحزب الله المقاوم ولمناضليه وكوادره وأمينه العام، وعهد يتجدّد بمواصلة العمل معا، والنضال بكلّ الأشكال والسبل لتطوير العمل الوطنيّ، والتصدّي للتحديات، التي تواجه لبنان وشركاء محور المقاومة والتحرّر، بهدي من حكمة وتوجيه سماحة السيد نصرالله، وبالأمانة لدماء الشهداء، ولا سيما من قادة الحزب العظيم، ولوصاياهم، وبالذات القائد الشهيد السيد عباس الموسوي والقائد الشهيد الحاج عماد مغنية والقائد الشهيد مصطفى بدر الدين. وكلّنا ثقة بأن المسيرة العظيمة، برصيدهم وبتضحيات المجاهدين الأبطال، سوف تحقّق انجازات تاريخية كبرى. والى عشريات جديدة مقبلة بانتصارات وإنجازات مشفوعة بكلّ الحب والتقدير والاحترام.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى