بقلم غالب قنديل

أبعد من التكليف والتأليف من يوقف الكارثة 

 

غالب قنديل

يدور النقاش والاهتمام السياسي داخل المتاهة المعتادة حول الأسماء والحصص والمواقع بعيدا عن هموم المواطن العادي، التي تستطيل قائمتها وتتعرّج، من ملفات الأسعار وتكاليف الحياة الفاحشة وانعدام المواد الضرورية والدواء المفقود بصورة شبه كلية، بينما المتوافر منه بات بأسعار خيالية، وغالبا من مصادر غير مجرّبة أو معروفة.

المواطن العادي بات ملزما بالتكيّف والتجريب والمغامرة في غياب مرجعية رسمية مرشدة. ومع نزيف الكفاءات من جميع الاختصاصات المهنية، التي تُستَقطب الي الخارج بإغراءات خيالية، وما أكثر ما نصادفه ونتعرّف عليه اعلاميا من تفاصيل تلك الدوامة المؤلمة ونتائجها.

 

طبعا تلك الأمور لا تبحث في اللقاءات والاتصالات المكرّسة لجدل المناصب والتسميات الحكومية. ولو كنا في بلد سويّ لكانت الأولوية لبحث سبل الخروج من النفق الخانق والمظلم، والغاية الحصرية بلورة خطة إنقاذ بخطوات وآليات واقعية واضحة، تبنى عليها الخيارات والتسميات والترشيحات بعد ذلك.

 

إن كان البعض يخشى مسبقا من تصميمنا على وصفة التوجّه شرقا، فإننا نقترح أن نحدّد بداية أولوياتنا الوطنية، ثم نبحث عن الشراكة الأجدى والأفضل بين الخيارات المحتملة في المنطقة والعالم بدون مواقف مسبقة أو ديماغوجية.

 

إن ما يجري اتّباعه وترويجه من خيارات لا يقدم حلولا فعلية للأزمات والمشاكل الضاغطة على الناس، وجلّه يراوح في نفق الكارثة، ولا يلتمس إيجاد المخارج الجدية المفضية الى انفراج حقيقي، ولا نقول الى انتعاش ونهوض. فالمتداول أقلّ من الترقيع والمسكّنات، وهو يرتّب كلفة مرتفعة على البلد والناس المستنزفين حاضرا ومستقبلا.

 

يُصدم المتابع لسعار الحملات والنقاشات عن الانتخابات ونتائجها، وفي الاستحقاقات اللاحقة، ولا سيما الرئاسية والحكومية، بشبقٍ واشتهاء رغم قصر المهل والهوامش. وبعض المواقف والحملات مدفوع ومدفوع عليه للأسف في خدمة الخارج. ومصدر كل اهتمام الخارج أننا بلد المقاومة، التي يُراد إضعافها وتطويقها وخنقها لإسقاطها بعد نزع حاضنتها الشعبية وفكّها أو تفكيكها.

 

من يتابع الحملات السياسية والإعلامية يلاحظ اهتماما وتركيزا على استثمار الشاردة والواردة المتاحة للنيل من رصيد حزب الله وسمعته، رغم تبتّله السياسي وعدم انتفاخه المعنوي، بل تواضعه وامتناعه عن تسييل فائض قوته العسكرية والمعنوية بمطالب استيزارية أو بمناصب إدارية.

 

في جميع البلدان كانت حركات التحرير تُرفِق مشاريعها الوطنية ببرامج للتغيير السياسي في النظم القائمة، وتفرض سلطة جديدة في محتواها وشكلها، ولا سيما في مضمونها الاقتصادي الاجتماعي. ولكن المقاومة كما لبنان يسدّدان ضريبة التشوّه الطائفي وما أورث من أمراض وعيوب. ومقاومتنا المنتصرة المهابة تقرن حكمتها وعزوفها عن تسييل فائض القوة في الداخل بمبالغة في الزهد والترفّع والسياسي.

 

تختار المقاومة الطريق الأصعب للتعامل في سائر الملفات الداخلية، يتمادى الانهيار الخانق، بينما تُمنع حتى المسكنات عن النظام المريض الكسيح، وجرى تلزيم صندوق النقد مهمة سحب آخر شحنات العافية الاقتصادية والمالية، ورهن البلد من أجل الفتات الذي يُقدّم في مسار “شيلوكي” للمستقبل الاقتصادي والمالي. وفرض على اللبنانيين التعايش والمساكنة مع خيارات مريضة شوهاء رغم كلفتها المستقبلية.

 

هذا الواقع يدعونا الى التمنّي على قيادة المقاومة وحلفها السياسي إجراء نقاش مستعجل في الخيارات الواقعية وغير الانقلابية ودون خضّات كبرى. وقد قدّم أكثر من وزير في حكومة الرئيس ميقاتي تجارب راقية وواقعية، وفتحوا آفاقا للتطوّر والتقدّم دون ضجيج أو استعراض، وغالبا دون أكلاف تُذكر. تلك الشواهد تثبت أننا لسنا في الطريق المسدود، ولسنا محكومين بجبرية الانزلاق في هاوية اختناق وسقوط لا منفذ منها أو مسرب.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى