بقلم غالب قنديل

البرنامج النووي والثورة الصناعية الإيرانية

غالب قنديل

عندما أطلق السيد الخامنئي اصطلاح الملحمة على مباحثات النووي، لم يقم فحسب بالبناء المعنوي المتين للوجدان الشعبي المواكب، ولا توخّى مجرّد إحاطة المفاوض الإيراني بهالة بطولة وحصانة معنوية صلبة، بل أيضا كان يُومي الى ما يتوقّعه من صعوبات وعقبات في طريق تكريس حقٍّ بديهي، بسبب يقينه الراسخ بأن الغرب الاستعماري لن يسلّم أو يعترف بحقوق إيران، ولن يكفّ عن وضع العراقيل والشروط، مع يقينه ومعلوماته بأن إيران قادرة على شراء الأسلحة النووية إن هي شاءت ذلك وساعة أرادت، وهي تحوز القدرة والأهلية والعلاقات الكافية لتحقيق هذه الغاية.

 

الهدف الإيراني أبعد وأعمق من مجرد امتلاك القنبلة، رغم حرص الجمهورية على تطوير قدراتها الدفاعية العملاقة في عالم تحكمه شريعة الغاب، وفي ظلّ ما سُنّ فيه من قواعد وأعراف صاغتها القوى الاستعمارية الغربية المهيمنة على العالم، بينما هي تستنزف القوة العملاقة المنافسة التي تمثلّها روسيا بحروب الواسطة في الفناء الإقليمي، ورغم أن لدى روسيا ترسانة نووية ضخمة وقدرات عسكرية هائلة. في حين ينصرف المارد الصيني لمتابعة البناء الاقتصادي والتكنولوجي، مبتعدا عن كلّ ما يمكن أن يستنزف الجهد والإمكانات.

 

لرفض إيران امتلاك القنبلة قيمة أخلاقية، وهي بما بلغه برنامجها العلمي والتقني في مجال الطاقة النووية قادرة ساعة تقرّر أو تضطر الى صناعة رؤوس نووية حربية تزوّد بها ما شاءت من مخرجات إنتاجها الصاروخي العملاق بجميع العيارات والمديات. وهذا معروف ومعلوم لدى سائر الخبراء والباحثين في العالم، الذين يعرفون ويتابعون تنامي القوة العسكرية الإيرانية.

 

القوات المسلحة الإيرانية تعتمد على الصناعات والتقنيات الوطنية الدقيقة والمتطورة، التي أدمجت مزايا مكتسبة من ترسانة عسكرية غربية المنشأ، ورثتها الجمهورية عن النظام البائد، بمبتكرات وطنية إيرانية وتقنيات صينية وروسية، تمّ توطينها وتكييفها. والحاصل الإيراني بات نوعيا ومبهرا في الفاعلية والجودة والقدرة، وهذا الأمر يسري عمليا على مجالات عديدة منها المعلن والمكتوم.

 

العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية شهدت للجمهورية، حتى اليوم، بسلمية برنامجها النووي. ومن سنوات يؤكد مفتشو الوكالة هذه الحقيقة، لكن الولايات المتحدة ودول الغرب الاستعماري مجتمعة تخشى منظومات دفاعية إيرانية متطورة، يعرفون أنها غير نووية وتقليدية، وقد أثبتت فاعلية عالية كمية ونوعية، وتميزت بانخفاض كلفتها ويسر استعمالها والتدريب عليها.

 

يهاب الغرب منافسة وقدرة الصناعات الإيرانية الأخرى، التي ترشّحها خصائصها وجودتها للانتشار مثل صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية والألبسة والمنسوجات، وليس السجاد المتفوّق بجودته وشهرته سوى البيان والعينة. بينما شرعت تظهر مخرجات صناعية إيرانية لسلع عديدة في الأسواق العالمية، تلقى الإقبال وتثير الإعجاب، منها بعض السلع الإلكترونية والكهربائية، وهي تذكّر بنشأة المارد الصيني، الذي سرعان ما غزا العالم والغرب نفسه بمفارقة المُعدّل المتقن، للموالفة بين الجودة والكلفة. واليوم بدأ الصانع الصيني يُظهر للعالم كثيرا من مخرجاته الفاخرة المنافسة في مجالات لم يطرقها سابقا، ولم يسوّق كلّ ما لديه فيها، كالسيارات الفاخرة، التي نالت شهادات كثيرة في المعارض الدولية، وأقرّ الخبراء بفخامتها وجودتها.

 

ما لدى الجمهورية من إمكانات وقدرات كبير وهائل. وثمة ما يؤهّل إيران، بآلتها الصناعية وإمكاناتها وقوتها المنتجة وبمسار تطورها، لتكون نظيرا يشبه الصين ويحاكيها. وليس من فراغ ما يقوم من شراكات بين البلدين في جميع المجالات، وهي من معالم الفطنة الإيرانية، وليست مجرّد انعكاس للعداء الغربي والحصار الخانق المضروب حول الجمهورية لمنع تطوّرها ونمو قدراتها بذرائع واهية ومكشوفة.

 

العقوبات تهدف الى تكبيل القوة الاقتصادية الإيرانية ومنع تطورها وتقدمها، واستنزاف قدرتها على توفير مزيد من الدعم، وتخصيص قسط من مواردها وإمكاناتها في تقوية حلفاء وأصدقاء مخلصين، يبادلونها الوفاء ويشاركونها القيم التحرّرية والاستقلالية، وبالذات في المشرق العربي، حيث العراق وسورية وفلسطين ولبنان، هي دول المحور، الذي يستمدّ أسباب قوة ومناعة من دعم ايران واحتضانها وشراكتها الندّية الحر

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى