بقلم غالب قنديل

بعد تلاشي الجلبة السياسية وسقوط الوهم ثبات الحقيقة القاهرة  

غالب قنديل

سيدوّن المخطّطون الأميركيون في دفاترهم وسجلاتهم فشلا جديدا في تطويع البلد العصي، الذي حملوا منه وسوم الهزيمة والخيبة منذ عقود، يوم حزم جنود المارينز حقائبهم راحلين في عصف عويل وذعر، ورغم جميع موجات وهمِ ردّ الاعتبار لقوة الإمبراطورية واستقوائها على قلعة المقاومة، وتنبعث مرارة الفشل بعد الانكسار وتجريب حروبهم الناعمة وأساليبها الخبيثة، التي تتوسّل تحقيق غايات الغزو العسكري، الذي اندحر، ودفعوا فيه ضحايا، وتحمّلوا أكلافا كثيرة ودماء. 

 

لمرات ومرات استُخدمت ضد لبنان حروب الواسطة، وأسرجوا طوابير العمالة أو استعانوا بحكومات عميلة وتابعة في المنطقة، كلّفوها بحلقات وفصول من خططهم المعدّة لبلد كان بؤرة نفوذ أميركية أولى وقاعدة التجسّس الإقليمية الأهم، وبات وطن المقاومة التي تقضّ مضاجع الأميركيين والصهاينة، وتؤرقهم في كل أرجاء المنطقة، وخصوصا في ميادين معارك الوجود المصيري، التي تخوضها بلدان المنطقة وشعوبها. وقد بات خبراء منتدبون في سورية والعراق واليمن علامات قوة فارقة، وإشارة عزّ وكرامة عربية لبنانية.

 

كانت الانتخابات النيابية موضع رهان على فرصة اختراق وتغيير للمعادلات اللبنانية، ونصب أعين المخطّطين حجم المقاومة ووزنها التمثيلي نيابيا وسياسيا. ورغم الكثير من الثغرات المغرية والمواتية في الصيغة القانونية الراعية للاستحقاق الانتخابي، وكثافة الاختراقات السياسية والمخابراتية للبلد، وكمية ما صرف من مال وما وُظّف من منابر وأدوات إعلامية مباشرة وبالواسطة، جاءت الحصيلة النهائية والإجمالية مخيّبة لرهان السفارات وغرف التخطيط والتمويل والإدارة التنفيذية، التي تولاها ضباط استخبارات أجانب وعرب بقيادة أميركية.

 

سيُعاد انتخاب الرئيس بري، وبكمية من الأصوات الوازنة نيابيا. والغالبية النيابية ستجدّد ميثاقيها بائتلاف التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، والثغرة الباقية في هذا الجمع هي العرف الساري بتوصيف حليف الحليف عن العلاقة بين حركة أمل والتيار لوطني الحر، الذي خبر نوابه التعاون مع رئيس المجلس، وربطت بعضهم بدولته صداقات مميزة.

 

إن تنظيم حوار منهجي حول الهموم والقضايا الوطنية الكبرى في هذه المرحلة، والتوصّل الى وثيقة تفاهم رسمية بينهما، تستكمل التفاهم بين الحزب والتيار. وانتظام هذا المثلث الوطني يفتح الطريق الى قيام جبهة وطنية، تضم سائر الشخصيات والقوى المنتمية الى الخيار الوطني، وتستطيع قيادة العمل الوطني وتطويره للانتقال بالبلد الى مرحلة جديدة.

 

إن أيّ تأخير أو تباطؤ في إنجاز هذا التحوّل وتوفير مقوماته، سيكون إمعانا في رفع الكلفة ومدّ أجل التدهور والانهيار. والمطلوب خطوات سريعة لدعوة القيادات الوطنية الى مشورة لا تحتمل التأجيل للشروع في الخطوات العملية فور الانتهاء من تكريس رئاسة المجلس وسائر الخطوات التنظيمية، التي تستكمل أركان وأعمدة العمل البرلماني.

 

بعد ذلك نأمل من دولة الرئيس بري أن يرعى مشورة وطنية جامعة للطاقات والجهود للبحث في الخطوات والسبل المفضية الى الإنقاذ والخروج من النفق الخانق. ونقترح أن تضمّ رؤساء الكتل والأحزاب ونخبة من الخبراء الاقتصاديين المختارين. ولتتحوّل التوصيات بإشرافه الى جداول عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

 

المفترق مصيري، ولا ينبغي أن يتأخّر التحرّك المنشود. فقد ملّ المنتظرون والمحبطون، وهّدر الزمن يرفع الكلفة، كما قلنا ورددنا كثيرا، آملين أن نلتمس دينامية وجدية في مستوى التحديات.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى