بقلم غالب قنديل

 عيد المقاومة والتحرير وتحديات النهوض من الكارثة

غالب قنديل

شكّل إنجاز التحرير والنصر، وطرد الاحتلال الصهيوني دون قيد أوشرط، ورفض أيّ مساومة أو نقاش مع العدو مباشرة أو بالواسطة على شروط الخروج الكامل لقواته المهزومة من لبنان انعطافة تاريخية ونوعية في واقع المنطقة ومعادلاتها الكبرى.

بعد حقبة طويلة ودامية من الحروب والمعارك المتعاقبة منذ نكبة فلسطين عام 1948، تحقّق التحول التاريخي، الذي قلب الصورة وغيّر الاتجاه. وقد كانت ميزة النصر اللبناني أنه من نتاج حركات شعبية مقاتلة، تعاقبت وائتلفت في إطلاقها وتنظيمها قوى وأحزاب وطنية، وتوّجها انتقال الراية المضمّخة بالدماء والتضحيات الى حزب الله بقبضات وعقول، أبدعت في التحديات الأصعب، وصنعت انتصارا عظيما مبهرا وتاريخيا.

 

إن سطوع حزب الله في الميادين القتالية، وتأّلقه بحصاد انتصارات وإنجازات في سائر ساحات الشرق، هو الثمرة التي أنتجها ذلك النبت التاريخي، الذي قارب الأساطير في الإبهار والسطوع والجاذبية والهيبة منذ تهشيم المستحيل الصهيوني، وقهر العدو الذي قيل إنه لا يقهر، وبات منكفئا خلف الجدر، يخشى القدرة الهائلة الكامنة البعيدة عن الاستعراض، والمتوثّبة باستمرار لتأديب المعتدين، وردّ الصاع صاعين وأكثر. وقد تمرّست في ميادين حروب وقتال على مدى ساحات الشرق.

 

من أهمّ سمات حزب الله ومزاياه التواضع ورفض الاستعراض، وهذه علامة فارقة عن جميع التجارب الحزبية السابقة واللاحقة، وهي ميزة نوعية قياسا على تجارب سبقت، كانت تهتمّ بشكليات الإبهار والاستعراض بدلا من التطوير الجدّيّ والعلميّ للقدرات والإمكانات والمعارف المتصلة بالصراع ضد العدو. ولذلك دخل العمل الوطني المقاوم مع حزب الله مرحلة متقدّمة، لم تتوقّف عند إنجاز التحرير الكبير، بل تكلّلت بامتلاك منظومات ردع متطورة وقوة قتالية مجرّبة، خاضت حروبا ومعارك، توجتها بانتصارات وإنجازات مبهرة ومعترف بها من العدو والصديق على السواء.

 

حزب الله الذي بلغ مرحلة تصنيع الصواريخ الدقيقة، وتحويل ترسانته التقليدية الضخمة في هذا الاتجاه، وهو يمتلك قوة نوعية من المهندسين والخبراء، الذين يكرّسون الوقت والجهود للبحث العلمي والتقني في شتى الحقول المتصلة بأسلحة الدفاع والهجوم، بات مؤهّلا لابتكارات ومفاجآت لا حصر لها، وهو دون شكّ يخفي الكثير منها، ليشهره في التوقيت المناسب، وينشر الذهول في الدوائر القيادية الأميركية الصهيونية.

 

جميع مراكز التخطيط والدراسات تتابع هذه التجربة، وتعترف لها بالتفوّق. وليس من الفراغ اعتبار أكاديمية الحرب الأميركية نموذج حزب الله في حرب تموز مادة تدريسية لتعلّم فنون القتال، ومذهبا في إدارة الحروب، يجمع بين قتال العصابات والحرب النظامية، ويدمج تقنياتها في سياق خطة واحدة وبإيقاع متناغم ومنسجم.

 

لقد كانت المنهجية العلمية دائما محور تفكير الحزب وسلوكه من غير استعراض كلامي، وبدون أغلفة دعاية. وقد ترك الحزب لإنجازاته العينية على أرض الواقع أن تصرّح عن نفسها، وتفصح عن جوهرها، وترك للناس معاينة النتيجة والصدى واستخراج العِبَر، التي غالبا ما يكون السيد أول المبادرين لتسطيرها وتبيانها مدعّمة بالبينات والبراهين الواقعية، التي لا تحتمل التشكيك أو التأويل.

 

تدعونا الأمانة التاريخية والعلمية للتذكير بدور تاريخي لقادة ورموز كبار، ولا سيما كلّ من القائدين الفذّين مصطفى بدرالدين وعماد مغنية، اللذين قادا ملاحم مشهودة في تاريخ العمل المقاوم على مساحة المنطقة، ولكل منهما بصمته. وقد خلّفا ميراثا للدراسة والتعلّم في مجال الأساليب القيادية والإدارة والتنظيم وفنون القتال وادارة الحروب المركّبة أمنيا وعسكريا، وفي الجمع بين أنماط التنظيم القتالي والتشكيلات العسكرية المحاربة النظامية والفدائية.

 

تعلّمت المقاومة، بفضلهما ورفاقهما، أن تبقى في سعي دائم ومستمرّ لاكتساب المزيد من العلوم والخبرات، وهذا ما يعمل القائد نصرالله مع رفاقه على تطويره وترسيخه بلا سقوف أو حدود. فأيّ خيال افترض امتلاك مقاومتنا الشعبية للطيران المسيّر الى جانب الصواريخ الدقيقة من إنتاجها الوطنيّ، الذي يديره فيلق الخبراء والمهندسين المنتمين الى هذا الحزب العظيم، ولا حدود لمخيلة الابتكار والإبداع في فرضيات الإنجاز المحقّق، الذي يرفد بنك المفاجآت، التي يضمرها السيد لأيّ حرب محتملة.

 

إن هذه القوة العظيمة، هي رصيد لبنان التاريخي للنهوض، وعليها التعويل في الخروج من دوامة الانهيار الكارثي، وحولها يجب ان تأتلف الجهود والطاقات الوطنية في تخطي الثغرات ونقاط الضعف لشقّ طريق جديد الى حياة أفضل، هي حقّ شعبنا علينا. وليس الصبح ببعيد.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى