بقلم غالب قنديل

تطوير الشراكة الإيرانية السورية: البعد الاقتصادي

 

غالب قنديل

غنيّ عن البيان والإعلان تشعُّب الشراكات السورية الإيرانية العسكرية والدفاعية، التي بلغت درجة متقدّمة من الاندماج ووحدة العمل في معارك كبرى، شهدتها ميادين الشرق وساحاته المشتعلة خلال السنوات الماضية، حيث قدّمت إيران تضحيات وافرة في الدفاع عن سورية ولبنان، وتمازجت دماء الخبراء والمستشارين الإيرانيين بدماء رفاقهم من الجيش العربي السوري ومن حزب الله المقاوم.

مع تقدّم ورسوخ الثبات الدفاعي في وجه التهديد والعدوان الاستعماري الصهيوني، صعدت وتبلورت أولوية الشراكة في البناء والنماء، فتقدّم همّ تطوير العلاقات الاقتصادية وتعزيزها بمضمون وأفق بناء تكتّل اقليمي، يتبادل القدرات والخبرات، ويتشارك في الخطط والمشاريع الطموحة للتطوير الاقتصادي والتكنولوجي المتقدّم، الذي يبشّر بوثبة حضارية بتكامل الجهود والإمكانات والخبرات.

تواجه سورية حصارا مستمرّا، لا يقلّ وطأة وخنقا عمّا سبق أن تعرضت له إيران بعد انتصار الثورة قبل عقود. وقد كانت النافذة السورية يومها، بفطنة القائد حافظ الأسد ورؤيويته التاريخية، هي البوابة التي أُشرعت لشراكة واعدة بروح الأخوة ووحدة الخيار.

انبثقت شراكات متعدّدة يومها، كانت في صلب انتصار إيران في ملحمة الصمود والبناء وكسر الحصار، وتلك البذرة السورية، هي بصمة حاضرة في الوجدان الإيراني الشقيق شعبيا ومؤسسيا، ومن هنا تلقى الاحتضان، وتثير الحماس كلّ تضحية تستدعيها القيادة الإيرانية من شعبها لدعم سورية. فقد برهنت التجربة على حجم المردود والعائد المعنوي والعملي للشراكة مع الأشقاء، ناهيك عن رسوخ ثقافي وعقائدي وسياسي لفكرة التحرّر، ولثقافة الانتماء الى المحور.

استطاعت إيران، بعد كسر الحصار، أن تطلق مسيرة البناء الاقتصادي المتقدّم بالتوازي مع امتلاك المزيد من القدرات الدفاعية، وهي اليوم تخوض غمار تجربتها في امتلاك الطاقة النووية وتوطينها بجيش جرّار من الخبراء والمهندسين والعلماء في مسيرة امتلاك التكنولوجيا الأحدث، والسير قدما في مسالك البحث والتطوير العلمي والتقني، الذي يرعى شتّى المجالات الاقتصادية المنتجة المتقدّمة، التي يتوقع لها الخبراء والباحثون مزيدا من التقدّم السريع في مديات قريبة ومنظورة.

تلك النهضة الصناعية الإيرانية، التي تلوح بشائرها وآفاقها الواعدة، هي مؤشر لانبثاق مارد شرقيّ لا يُضاهى بتقدّمه وتطوّره، وهي صدفة سعيدة، تحاكي الصعود الصيني، وتستلهم الكثير من ملامحه وسماته بقرابة أصيلة في الجذر التحرّري والهوية الوطنية الصلبة والاستثمار في القوة الإنسانية الخلّاقة والمبدعة.

وفي هذه الملامح ما تشترك به سورية الأسد مع إيران، وثمّة مغزى نوعيٌّ عميق لتركيز المعلومات الرسمية، بعد القمّة، على المضمون الاقتصادي، الذي تناوله البحث في حقول تطوير الشراكة والتعاون بين حليفين، يدرك الصديق والعدو ما يشتركان فيه من التزامات وتضحيات في إطار العمل الدفاعي والعسكري ضمن المحور التحرّري ومعموديات النيران والدماء والشهداء في بلدان المشرق.

لذلك التركيز مغزاه الجوهري، فهو إيذان بانتقال خطط البناء الاقتصادي، بعد خراب الحروب ودمارها، الى مقدّمة الأولويات الراهنة في سورية، بقدر ما يرمز الى موثوقية الثبات الدفاعي وحصانة الميادين وقابليتها لاحتضان ورش البناء والعمران بسرعة وأمان.

إيران وسورية ينقلان الحلف الى تكتّل متكامل ومتشعّب ومنتج اقتصاديا وتقنيا، سيكون قوة جاذبة في المنطقة، يتحلّق حولها سائر شركاء المحور في منظومة بناء وتقدّم صناعي وتكنولوجي، يسعى ويتطلّع لشراكتها الكثيرون في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى