بقلم غالب قنديل

العدوان الأميركي التركي الصهيوني في سورية  

 

غالب قنديل

طبعا لا غرابة في تواجد متجاور أو متزامن للقوات الأميركية والتركية والصهيونية على أي رقعة من بلدان المشرق، فالجيوش الثلاثة اعتادت على العمل معا، وهي ترتبط بحلف سياسي ومعاهدات واتفاقات تعاون مستمر ومتصل منذ عقود، وكانت معا في مختلف ميادين العمل العسكري والاستخباراتي، ولا سيما في الأنشطة العدوانية على الأرض العربية.

شكّلت الحرب على سورية نطاق عدوان وتدخّلات متعدّدة واستثمار متواصل، تقوده الإمبراطورية الأميركية وحلفها الغربي بالشراكة المباشرة مع الكيان الصهيوني، والانخراط التركي في هذه الحرب العدوانية جاء تعبيرا عن حقيقة ما تمثله تركيا في معادلات المنطقة، كحكومة عميلة للغرب، تنفّذ الأوامر عكس الاتجاه الذي تمليه أصول الجوار في التعامل مع دولة مسالمة، لم يسبق لها أن اعتدت أو افترت على أيٍّ من جيرانها.

معايير الجيرة العربية التركية تقتضي مبدئيا حسن الجوار، الذي راعته سورية، وطمحت الى ترقيته حتى تاريخ انخراط تركيا وقيادتها في حلف الحرب والعدوان، بل إن القيادة السورية علّقت آمالا كثيرة على التفاهمات، التي توصّل اليها البلدان، قبل أن تنقلب اسطنبول، وتلقي بثقلها السياسي والعسكري والمخابراتي في مؤامرة خبيثة، لنشر الخراب وتدمير الدولة الوطنية وصروح العمران ومرافق الاقتصاد الطموح، من خلال فصول العدوان على سورية، تلبية للمشيئة الأميركية.

لقد استثمرت تركيا كلّ ما أتاحته علاقات التنسيق السابقة، للاختراق والتخريب ولتجنيد العملاء، الذين انخرطوا بفاعلية في خطّة تدمير جهنّمية، شملت سائر صروح الحياة والعمران السورية.

التناغم والتنسيق بين تلك الجيوش الغازية وأجهزة المخابرات التابعة لها على الأرض السورية يجسد وحدانية المرجعية والإمرة الأميركية، التي تقرّر التفاصيل، وترسم سير العمليات في الميدان السوري، كما توزّع الأدوار، وفقا للخطط الأميركية الأطلسية العليا وأهدافها.

يتصدّر قائمة الأهداف الغربية والصهيونية في المشرق عدم إفساح المجال لتنامي القدرات السورية ولتبلور القوة السورية كعامل اقليمي مؤثر سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا، وبالأصل وأساسا، كانت غاية الغرب رعاية الدور العدواني الصهيوني، وتوفير عناصر القوة، التي تتيح دوام طغيانه في المنطقة كلِّها.

مما لا شكّ فيه أن الاحتلال الأميركي المباشر على الأرض السورية، هو المستجد الأعلى كلفة والأكثر تعقيدا في مسار التحرّر والخلاص السوري. وسيكون اقتلاعه وطرده شرطا موجبا للخلاص السوري، وبدء مسار البناء والتعافي الوطني بعد الحرب.

فالتخلّص من الاحتلال الأميركي يعني حربا على الإمبراطورية وآلتها العسكرية، التي باتت على الأرض بوحدات صغيرة، تتغطّى بأقنعة وستائر محلية من العملاء والمرتزقة. ولن تكون تلك المعركة نزهة رغم كونها مستحقة وواجبة، وتستدعي تضحيات كبيرة مثل أيِّ حرب تحرير وطنية. وقدر سورية وشعبها وقواتها المسلحة أن تفوز بهذا التحدي في مسار قيامتها وانتصارها.

نهوض سورية سيعني انقلابا حاسما في المشهد الإقليمي، تسعى الدوائر الاستعمارية الصهيونية الرجعية لعرقلته وتأخيره، خشية التحولات، التي سيولّدها في المنطقة والوقائع التي سيفرضها بالنتيجة. فسورية قوة اقليمية فاعلة ومؤثرة، تحمل هوية قومية تحرّرية، وتحوز تحالفات وشراكات، عمّقتها التجارب وطورتها.

إن أشدّ ما تخشاه الصهيونية العالمية وكيانها الاستعماري الغاصب في فلسطين، هو تعاظم القدرات السورية، التي تضع حدا مانعا للعدوان والغطرسة، وتنذر بانتقال سوري محتمل الى نسق هجومي، باحتضان قوى المقاومة، التي أثبتت مقدرة ميدانية وفاعلية نوعية في أنساق هجومية ودفاعية، قد يقتضيها أيُّ جهد تحريري، ينهي الاحتلال، ويقوّض الكيان. وما جرى في الميدان السوري، الى اليوم، يقع ضمن البدايات الطبيعية والبديهية لهذا المسار التاريخي، ويمكن احتسابه تمرينا عاما ومناورة حربية جارية في عرف القيادة السورية وسائر قيادات المحور المقاوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى