بقلم غالب قنديل

روسيا تحوّل الغاز الى عامل استراتيجي لتعديل التوازنات

غالب قنديل
اعتبر علماء الاقتصاد السياسي أن السلع الاستراتيجية تُكسِب مصدّريها مزايا نوعية، لها مفاعيل اقتصادية وسياسية. ومن هنا تميزت تاريخيا دول عرفت بمواردها وصادراتها كالقمح والقطن والحرير وفي العصر الحديث باتت لسائر الدول المصدّرة للنفط والغاز أهمية خاصة، واحتلّت مكانة مؤثّرة اقتصاديا وماليا وسياسيا وحصلت على مزايا تفاضلية بقوة ما تصدّره من سلع استراتيجية.
ربطا بهذا العامل ركّزت الولايات المتحدة والمنظومة الاستعمارية الغربية جهودها السياسية والأمنية والعسكرية في المنطقة العربية، لتحتفظ أساسا، بالهيمنة على مواردها النفطية والغازية الضخمة واعتبرتها استراتيجيا عصب الآلة الصناعية الغربية العملاقة ومن هنا ثقل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة العربية سواء بصيغة القواعد العسكرية ام عبر تواجد مستمر للأساطيل وكذلك الأهمية الخاصة للكيان الصهيوني كقاعدة عسكرية جاهزة لشن الحروب.
قرّر الرئيس فلاديمير بوتين استخدام الغاز في إحداث تغيير اقتصادي ومالي هيكلي عالميا، وفرضه على الغرب من خلال اعتماد الروبل في اتفاقات وصفقات بيع الغاز الروسي وفقا لما جاء في المرسوم الرئاسي بشأن تحويل المدفوعات لشراء الغاز الطبيعي إلى الروبل الروسي، إضافة الى أن صادرات الغاز الحالية ستتوقف إن لم يستجب المشترون من الدول “غير الصديقة” لشروط الدفع الجديدة.
في الديباجة الروسية ما يميّز الأصدقاء عن الزبائن، ومن الواضح أن الرئيس بوتين لن يوفّر فرصة لوضع جميع الأدوات على الطاولة. فقد نص المرسوم الرئاسي أنه “يتوجّب على العملاء في الدول غير الصديقة، بما في ذلك في الاتحاد الأوروبي، فتح حسابات بالعملة الروسية في البنوك الروسية”.
وقال بوتين، لدى افتتاح اجتماع بشأن تطوير صناعة الطيران، إنّ مشتري الغاز الروسي سيحتاجون إلى فتح حسابات بالروبل في البنوك الروسية لدفع ثمن الإمدادات.
هذا القرار سيعزّز مكانة الروبل، ويحوّل السلعة الاستراتيجية القومية إلى عنصر هام ومؤثر في التوازن الاقتصادي والمالي العالمي، ولتقوية سطوة روسيا ومكانتها، وهو ما حمله تحذير الرئيس بوتين من أن حجب أصول البنك المركزي، من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يشكّل تهديداً لعائدات النقد الأجنبي من صادرات الغاز، مشدداً على أنّ “عقود توريد الغاز الحالية ستتوقف، إن لم يخضع المشترون من الدول غير الصديقة لشروط الدفع الجديدة”.
أكد الرئيس بوتين أنّ الولايات المتحدة ستحقّق أرباحاً من عدم الاستقرار العالمي، في حين أن “تراجع الأسواق العالمية يزيد في أرباح المجمّع العسكري الأميركي، وهو بذلك، أشهر النزاع الاقتصادي مع الإمبراطورية الأميركية ضمن سياق صراع استراتيجي على مستقبل العالم اقتصاديا وسياسيا، واضعا ثقل روسيا على الطاولة، رافضا الرضوخ لسطوة الإمبراطورية الأميركية وهيمنتها، ومن خلفها الغرب الأوروبي.
نتيجة القرار السيادي الروسي باعتماد الروبل في مبيعات الغاز شهدت العملة الروسية ارتفاعاً أمام الدولار واليورو خلال الأيام الماضية، وهو تحول تراكمي سيحفّزه ازدياد الطلب على الغاز الروسي في ظروف مواتية اقتصاديا وتجاريا، وفق مؤشرات الأسواق العالمية بينما سيكون من الصعب وشبه المستحيل على معظم الدول الأوروبية إيجاد بدائل عملية للغاز الروسي.
وقد أثار خبراء ومعلقون غربيون معضلات وتعقيدات لوجستية، تعيق الحصول على الإمدادات من مصادر بديلة. وصُدمت الدوائر الغربية بوجود عقبات وصعوبات كثيرة، ترفع الكلفة قياسيا، عدا عمّا تقتضيه من وقت ضروري لإتمام الإعداد اللوجستي لنقل الغاز، وهو أمر ليس سهلا، ولا هو نزهة، باعتبار عوامل الجاهزية والكلفة والمواصفات النوعية.
في حصيلة المفاضلة بدا أن بوتين وضع الغرب أمام جبرية الرضوخ لروسيا وشروطها، مستخدما سلعة استراتيجية حيوية لا يمكن الاستغناء عنها، ولا ضمان البدائل المفترضة بالسرعة الكافية، ناهيك عن فوارق الكلفة المالية والشروط المتعلّقة بيسر النقل والإيصال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى