بقلم غالب قنديل

هستيريا أميركية من الانفتاح الإماراتي على سورية 

غالب قنديل

مفارقات كثيرة وأفكار وانطباعات سياسية وإعلامية تتفاعل في تردّدات البيان الأميركي الغاضب على مبادرة دولة الإمارات إلى استعادة التواصل مع سورية بعد الحرب والحصار الخانق، وإثر انتصار سورية المبهر والساطع على الحرب الكونية، التي قادتها الإمبراطورية الأميركية ومعها حلف استعماري غربي صهيوني، لم يوفر وسيلة أو أداة في مسعى تدمير سورية وإخضاعها.

الموقف الإماراتي الذي يستحق الترحيب والتنويه بوصفه موقفا مسؤولا وناضجا قوميا، يجبُّ ما سبق من ندوب وشبهات التورّط في الحرب الكونية، التي سعت واشنطن الى تلويث أكبر قدر ممكن من حكومات المنطقة في سياقها، ووزعت الأدوار والأعباء على المتورّطين في ركابها.

المعادلات الواقعية المتغيّرة سياسيا وعسكريا تدفع جهات عربية عديدة الى طرق أبواب دمشق، وفي ذلك خيبة مضاعفة لواشنطن، التي أكرهت دولا كثيرة على الخضوع للطلبات والأوامر الصادرة اليها، وورّطتها في فصول العدوان والحصار.

بيان الاحتجاج الأميركي الحافل باللوم والغضب، تعقيبا على زيارة الرئيس بشار الأسد الى دولة الإمارات، هو إشارة معبّرة إلى رفض هستيري لما تصفه واشنطن بأنه “تأهيل للنظام السوري ورئيسه “، وذاك بيان خيبة وفشل، يثبت حقيقة انتصار الأسد.

المصطلحات، كما النبرة، يمثلان إنكارا للواقع العنيد بعد هزيمة الإمبراطورية الأميركية، التي قادت حربا عالمية ضد سورية، وحشدت لها شبكة من الدول والجيوش المتدخّلة وعصابات المرتزقة، ولم توفّر وسيلة لتفعيلها، ورغم ذلك انتهت إلى هزيمة مبرمة وفشل فاضح.

ليس الرعب من العودة العربية الى دمشق، بعد صمودها وانتصارها، سوى الدليل على وزن سورية ودورها الحيوي في صنع التحولات والتوازنات، خصوصا بعد اجتياز معمودية الانتصار على العدوان الكوني المتواصل منذ سنوات. ويستحيل على أيٍّ كان في العالم إنكار إنجازها المبهر، بعد كل ما شهدناه من فصول الحرب والحصار والصمود.

تخشى واشنطن من تفاعلات هذا التحول وتأثيره في البيئة الإقليمية، خصوصا مع توطّد شراكات سورية وتحالفاتها الدولية والإقليمية الوثيقة، التي توسّعت وتشعّبت اقتصاديا واستراتيجيا وسياسيا وعسكريا، خصوصا مع روسيا وايران. وقد سعت سورية على الدوام الى تطوير الحوارات والشراكات العربية مع أصدقائها في العالم.

يخشى الأميركي ويرتعب من توسّع الحضور والتغلغل الروسي والإيراني، وانتشار عدوى الشراكات الاقتصادية والسياسية، وربما العسكرية، مع روسيا، وخلف الستار المارد الصناعي والمالي الصيني هائل القدرات والإمكانات، والذي يجاهر بوضوح بالتناغم والشراكة اقتصاديا وماليا مع موسكو وطهران.

تملك سورية مخزونا كبيرا من الثروات والموارد، ولديها رصيد نوعي من أبنائها المؤهلين علميا وتقنيا في الوطن والمغتربات، وهم يشكلون رصيدا ومخزونا هامّا في فعله وتأثيره، الذي تبدّى في سنوات الشدّة الخانقة، كما هو مورد بشري واقتصادي يّعتدّ به في مسار التعافي السوري واستعادة الحيوية الإنتاجية. ومن شأن بشائر النهوض وحيوية الدولة ومؤسساتها أن تكون قوة جاذبة تدمج السوريين مقيمين ومغتربين في هذه العملية.

من ميزات سورية الاقتصادية قبل الحرب طاقة انتاج صناعية وزراعية ضخمة، حقّقت لها كفاية ذاتية، ومكّنتها من فتح أسواق قريبة وبعيدة بكفاءة تنافسية مشهود لجدارتها، وهي اليوم قادرة على انهاض مصادر ثروتها واسترجاع ألق التميّز السوري في زمن قياسي، مع توافر الوعي والإرادة والخطط الوطنية. ولاشك أن من يسبق الى دمشق سوف يحظى بميزات لها مردودها وأثرها الطيب ماديا ومعنويا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى