بقلم غالب قنديل

الاستقلال عن القرار الأميركي والتحرّر من وصايته 

 

غالب قنديل

 

وضع السيد هاشم صفي الدين إصبعه على الجرح بالدعوة الى الاستقلال عن القرار الأميركي. والحقيقة أن هذا التحول التاريخي في واقع لبنان السياسي بات ضرورة مصيرية بعد الانهيار الخطير، الذي كانت في خلفيته ومسبباته بُنى الاستتباع وتشوّهات الانخلاع والارتهان ومورثاتها السياسية والثقافية، التي سمّمت الوعي الشعبي تاريخيا، وحجبت عن العيون والعقول إمكانات وقدرات استثنائية، تتيحها الخيارات الشرقية البديلة، التي باتت متاحة لبلد المقاومة، الذي انهالت عليه العروض السخيّة من عواصم الشرق الصاعد وكان مصيرها الإهمال والتجاهل.

عندما تلهث النخب السياسية الحاكمة خلف الرضى الأميركي، وتجعله محور حركتها السياسية على حساب البلد وشعبه ومصيره، يكون الحاصل هو السقوط في هاوية موحلة وقاتمة مع ابتسامة بلهاء لا تستر فجيعة، يتحمل تبعاتها الناس في ظروف عيشهم ومستقبلهم.

 

لبنان المنفصم، المستقل في الشكل السياسي، مستتبع وخاضع في الجوهر لهيمنة أميركية غربية اقتصاديا وسياسيا، وهو اليوم في حال ازدواج فصامي خطير بين تلك البنى التابعة المرتهنة للمستعمر وبين حقيقته كقلعة المقاومة، التي نشرت ثقافة التحرّر ورفض الاحتلال والهيمنة، وباتت القدوة في المنطقة ومنهلا لقيم التحرّر والانعتاق من الاحتلال والسيطرة الصهيونية الغربية، وهما توأم استغلال واحتلال واغتصاب.

 

لقد أتمّت المقاومة تاريخيا تحرير الأرض المحتلة من غير أن يتمّ تحرير الدولة اللبنانية من سطوة الغرب وأدران العمالة، التي احتمت بالعصبيات والانقسامات الطائفية والمذهبية. ورغم تحقّق الانتصار الوطني العظيم، ظلّ الحساب مفتوحا مع جيوب العمالة وأورام الارتهان والاستتباع الاقتصادي والمالي، حتى انفجرت الكارثة، ولم يعد ممكنا البحث عن سبل المساكنة بين دعاة التحرّر والعدالة المجتمعية وواقع الخضوع للمشيئة الاستعمارية والبنى التي تفرض على الشعب نزيفا خطيرا ومستداما بل مميتا.

 

البلد اليوم أمام واحد من خيارين: فإما الاختناق والهلاك في منزلق التبعية والارتهان أو توفير مقومات الانتقال السياسي، الذي يتيح اعتماد التوجّه شرقا، وتبنّي خيار الشراكات المتاحة مع روسيا والصين والشقيقة ايران، واعتماد الخيارات والخطط التي توفر فرص تنمية وتطوّر هائلة وازدهار كبير.

 

تخرّج آلاف اللبنانيين من الجامعات الروسية، التي رفدت لبنان بآلاف الأطباء والمهندسين المشهود لهم في مجالات اختصاص عديدة ومتنوعة، وهم اليوم رصيد إنساني وطاقة منتجة في مجالات عملهم، وهذا مسار جاذب لطموح الأجيال الطالعة، مازال متاحا، وبرهنت الأحداث الأخيرة على وجود أعداد كبيرة من الطلاب اللبنانيين في الجامعات الروسية.

 

العروض الروسية المتاحة أمام لبنان في زمن الشدّة والخراب تمثّل رافعة إنقاذ ونهوض حقيقي بشراكات مجدية ومثمرة وواعدة، وهي تفتح خطوطا راسخة ومستدامة في اتجاه التعافي والانتعاش والنمو، ومن الجريمة إدارة الظهر نتيجة ارتهان سياسي، بات متوجّب الإزالة بالقوة اذا استعصت النداءات والمناشدات، ولم تلق استجابة منطقية وعاجلة، تتناسب مع زحف الكارثة في معصرة الدماء الأميركية البشعة، جريا وراء أوهام بائسة، وتنفّع قذر على حساب البلد وأهله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى