بقلم غالب قنديل

الفرص اللبنانية والشراكة الروسية المهملة

غالب قنديل

دينامية التطور الروسي الاقتصادي والتكنولوجي ترفدها وتحفّزها شراكات وثيقة وعضوية مع الصين المارد الشرقي الجبار. وقد طوى البلدان عهود النزاع والحساسيات الموروثة من عقود ماضية، وهما يتلاقيان في إطار شراكات متشعّبة وطموحة اقتصاديا وتكنولوجيا في مجالات متعدّدة، ويتشاركان سياسيا تعارضات وتناقضات مقيمة ومتأصّلة مع التنمّر والعدوانية في سياسات الغرب ومنطقه الاستعلائي المتشوّف اتجاه الشرق ودوله وشعوبه.

روسيا، التي وُصفت قديما بالإمبراطورية القلقة، امتدّت بديناميتها إلى سواحل المتوسط منذ قرنين، يوم قصدت السفن الروسية الساحل السوري، وتناقل المؤرخون عبارة منسوبة لكاترين الثانية عن نافذة غرفة نومها، التي تطلّ على طرطوس المرسى السوري الشهير والتاريخي على ساحل المتوسط. والعلاقات السورية – الروسية تطورت في عهود متّصلة منذ ذلك الزمن شهدت تغييرات وتحولات هائلة ومتلاحقة، وتحولت شراكة استراتيجية متشعّبة اقتصادية وسياسية وعسكرية بين سورية وروسيا، عمّقتها روابط اجتماعية وثقافية متينة، وتفاعلات تأصّلت مع سورية في جميع المجالات خلال العقود الماضية.

 

الدينامية الروسية ترتدّ بنتائجها في منطقتنا بفضل تلك العلاقة التاريخية الراسخة بين موسكو ودمشق، وانطلاقا من الميراث التاريخي للعلاقات والشراكات لا نستطيع ان نتعامل بحيادية سلبية إزاء أيّ حدث يمسّ روسيا ومصالحها. والأمر بات اليوم بعيدا عن أيّ طابع إيديولوجي أو علاقات عقائدية حكمت واقع الكثير من القوى والشخصيات اليسارية في الوطن العربي خلال الحقبة اليوفياتي. بل إن الحقيقة الاستراتيجية الحاكمة ومنطق المصالح الواقعي هو الذي يملي الانحياز السياسي والواقعي لمنهج تطوير الشراكة والتعاون مع الأصدقاء الروس، واعتبار هذه الصداقة من عوامل رفد الإمكانات والقدرات.

 

من سوء حظّ لبنان أن علاقة معظم اللبنانيين بروسيا غلبت عليها المركنتيلية النفعية المتأصّلة في ثقافة بلادنا تقليديا، فالمدائح تُكال لروسيا في مواسم المنح الجامعية من الحقبة السوفياتية، التي فتحت أبواب الأكاديميات المتقدّمة علميا لآلاف الشباب الفقراء ومتوسطي الحال. وبفضل تلك الجامعات لدينا العديد من الأطباء والمهندسين، الذين نفتخر بهم.

 

للأسف، تغمط الثقافة السائدة هذا الجانب من العلاقة اللبنانية – الروسية حقّه وقيمته. وكالعادة، فالعقل اللبناني يبحث نفعيا عن المنافذ التجارية، مأخوذا بمعايير الاستهلاك، التي بذرتها الهيمنة الغربية منذ تدمير مغازل الحرير في لبنان. واليوم، وفي زمن الانهيار اللبناني، تنفتّح بوابات إسعاف ومنافذ حقيقية اقتصاديا مع روسيا، ولكنها تُسدّ بفعل فاعل، نتيجة الارتهان والارتباط الأعمى بالغرب وبإملاءاته المانعة لفرص النمو والتطور، مع أن الفرص الروسية والشرقية كثيرة وواعدة، وتتيح نهضة لبنانية سريعة ومثمرة.

 

روسيا قوة هادرة، تستند الى دينامية سياسية وعسكرية، وكذلك تندفع بقوة شراكة متأصّلة مع المارد الصيني، ومَن يدير الظهر لهذه الحقائق لا يمكن أن يوصف بغير الغباء والجهل. ولا يملك الأميركي والأوروبي أو سواهما في الغرب المزايا التي تستطيع روسيا والصين ضمانها للشركاء، وهما دولتان تبحثان عن المنافع المتبادلة بلا هيمنة ولا إخضاع. بل إن عروض موسكو وبكين المتاحة للبنان، ونماذج الشراكات التي أقامتها الدولتان في المنطقة، بدءا من الشقيقة سورية، تمثّل فرصة جدية وواعدة ومربحة على جميع الصعد، وليس من الحكمة ولا الفطنة إدارة الظهر لما يمكن أن تتيحه للنهوض العاجل من هوة الانهيار. ولا شيء يفسّر عدم الالتفات الى هذه الفرص إلا شبهة عمالة وارتهان لأنفار وجماعات على حساب البلد ومستقبل شعبه.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى