بقلم غالب قنديل

مفارقة الموقفين اللبناني والسوري من أوكرانيا

 

غالب قنديل

سوف تلقي زلّة لبنان الرسمي بظلالها طويلا على الصعيدين الدوليّ والإقليمي، كما نتوقّع أن تنعكس تأثيرات الانحراف الخطير عن تقاليد النأي والحيادية على صورة لبنان الخارجية، وعلاقاته الدولية والإقليمية نخوة وحميّة سياسية لتصحيح صارم وعاجل.

هذه الزلة تُبيّن أنها لم تكن عارضة ومؤقتة، ولا مجرّد اجتهاد عابر لوزير الخارجية، وباتت أشدّ خطورة بعدما نالت تغطية رئاسيّة وسياسية. وقد وجدت من ينافح عنها دفاعا وتبريرا على الرغم من التبعات والنتائج والتردّدات المستمرّة.

تبرهن الوقائع على ما يتخطّى الخطأ العابر في خلفية الموقف، الذي وجد من يفلسف التبرير. بينما ينكشف التصميم على فتح خطوط الوصل السياسي والتنسيق مع الولايات المتحدة، التي تلعب الدور الحاسم في خنق لبنان وتطويقه.

لا نطالب السلطات اللبنانية بموقف مطابق لموقف الشقيقة سورية. وكنا نتمنّى لو جرى التشاور معها قبل صياغة الموقف وإعلانه، لتجنيب لبنان ورطة سياسية وسقطة دبلوماسية، على الرغم من إلزامية التنسيق الثنائي في التعامل مع الأزمات والمنعطفات الدولية والإقليمية، عملا بأحكام المعاهدة الموقّعة بين البلدين.

يتصرّف المسؤولون بالتنصّل من تبعات تلك المعاهدة وموجباتها السياسية والعملية، وهم يعتبرونها معلّقة فعليا منذ الحرب على سورية، التي كانت توجب تفعيلها، وتطوير التنسيق والتشاور بين الدولتين. ولو جرى ذلك فعلا على المقلب اللبناني لحمى البلد من بؤر استيطان الإرهاب والتكفير، الذي حرّك هزات زلزالية كارثية، لم ينج لبنان من تبعاتها لولا المقاومة ودينامية مبادراتها الشجاعة.

يربّحنا البعض جميل عدم الاعتراض على قتال حزب الله في سورية أو مناوئته، وهم مع غيرهم من اللبنانيين، يرفلون بحصاد النتائج سياسيا ومعنويا، والبلد برمّته يتحرّك بطمأنينة، ويتمتع باستقرار ثابت أمنيا، نتيجة تلك الفاعّلية الهجومية، التي حمت لبنان من كوارث ومذابح، شهدنا عيّنات كثيرة منها.

التعامي عن ضرورة التشاور اللبنانيّ – السوريّ في مثل هذه الظروف حول الموقف الأجدى ليس مصادفة، بل ناتج انصياع أحمق وبائس للمشيئة الأميركية واملاءاتها، واللهاث خلف رهانات بائسة على صرف الرضا الأميركي لحسابات ضيّقة، تعكس اغتراب أصحابها، وقصر نظرهم، وعدم جدارتهم بالمسؤولية.

كان لبنان تجنّب زلة خطيرة لو طبّق النأي النظري بصدور بيان، يتمنى حلا سلميا للأزمة. وكنا سنتفهّم المخرج النظريّ التلفيقي، بدلا من التورّط الفاضح في موقف مشين وغير مبرّر، وسيرتّب أضرارا وخسائر مباشرة وغير مباشرة.

ليس بسيطا ولا بريئا انحياز لبنان ضد روسيا، والاذعان لتعليمات وأوامر واشنطن، التي تضع ثقلها وامكاناتها وضغوطها الى جانب العدو الصهيوني على حساب حقوق لبنان ومصالحه العليا. بينما تقف روسيا معه بكل ثبات وصلابة، وتعرض المساعدة والدعم، اللذين جبن النظام المتهتّك عن تلقّفهما رغم الحاجات القاهرة في زمن انهيار كارثي.

إن الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها السلطة اللبنانية تعدت نطاق اجتهاد فردي ملتبس، عندما توافر لها الغطاء والتبرير والفذلكة. وهذا مشهد معيوب ومشين ومؤسف، كنا نتمنّى ألا يحظى بالمساندة الرئاسية الواصلة حدّ التبنّي والتكريس السياسي.

من المزعج صمت من صمتوا في مواقع المسؤولية. فالحاصل إعلاء جدران التواطؤ في تغطية انحراف خطير، انفرد حزب الله وتميّز كعادته بالتصدّي له. ومنطقي أن تكون المقاومة هي الأكثر تحسّسا للمسائل الحرجة، التي تؤثر على لبنان في البيئة الإقليمية والدولية القلقة، التي تغلي بالتناقضات والصراعات والأفخاخ أيضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى