بقلم غالب قنديل

أوهام المسايرة والمواربة مع الأميركي ممنوعة من الصرف

 

غالب قنديل

بلد المقاومة الواقع بقدره الجغرافي والتاريخي على تخوم فلسطين، التي يحتلها الكيان الغاصب، محكوم بواقع الصراع، وبتناقض أكيد وراجح مع السياسات والمواقف الأميركية المطابقة لمصالح العدو وخططه ومشاريعه في المنطقة، وأطماعه في لبنان وثرواته البرية والبحرية.

لاحت مؤخرا مواقف وتصريحات لقيادات وقوى لبنانية من بينها التيار الوطني الحر، تَبني على المجاملات السياسية فرضيات استجرار دعم أميركي للبنان، ينقذه من وطأة الانهيار الكبير. والمؤسف أن بعض الحسابات اعتورتها رهانات شخصية في غير محلها وأوانها.

تنطوي تلك الرهانات على اعتقاد أشوَه بحتمية القدر الأميركي في النظر لمصائر القوى والشخصيات، وتراتبها السياسي في الحياة الوطنية. ومما يشين أي جهة لبنانية أن تَبني خياراتها وحساباتها على الرضا الأميركي بدلا من حمل توجّهات وبرامج، تجلب الدعم الشعبي العابر للطيف الوطني، من خلال التعبير عن وجدان الناس وقضاياهم وهمومهم.

رئاسة لبنان لن تكون هدية أميركية غير مشروطة لأيِّ شخصية سياسية، ولن يكون بقدرة الولايات المتحدة اصطناع الهيبة والثقل لأيٍّ كان، لا يؤهله موقفه وتاريخه ومصداقيته لاستقطاب غالبية نيابية وسياسية داعمة حول شخصه واسمه وأهليَّته لشغل الموقع الدستوريِّ الأول في الدولة، وفي بنيان النظام السياسي وهياكله. وقد بيَّنت التجربة مرارا تلك الحقيقة.

سبق للأميركي أن حاول معاندة الوقائع اللبنانية، فكان الحاصل وبالا عليه، وعلى من ساروا في ركابه، وأسرجوا أدوارهم لاسترضائه وخدمته. ومَن لا يصدّق يمكنه استفتاء الكتائبيين في نكبات حزبهم، وما لحق به جراء الالتحاق بالمشاريع والخطط الأميركية الصهيونية ورهاناتها، التي أحرقت في أتونها أحلاما ورهانات لبنانية كثيرة، وبعضها كانت خاتمته مفجعة، بدّدت أحلاما متضخِّمة، تبخّرت مع أصحابها وذهبت بهم. ومع إيراد ما سلف من الوقائع نُثبت حقيقة تاريخية، ولا نشمت أو نُصفِّي حسابا، تركناه أصلا للتاريخ ولتأمُّل من يريد الاعتبار والتعلُّم.

هوية الدولة الوطنية الحاضنة للمقاومة والراعية لها، هي أول الطريق في تعريف التزامات الرئيس العتيد. ويؤكد المنطق العقلاني هذه الحقيقة الجوهرية. فلبنان كما هو، محكوم بقدر الجغرافيا الفلسطينية والسورية. وقد بات التعامل الواقعي مع توازناته السياسية، يوجب إقامة اعتبار وازن لحزب الله ومواقفه وخياراته في التعامل مع شتّى الشؤون السياسية والاقتصادية والاستحقاقات الكبرى في بنيان الدولة ومؤسساتها.

والحقيقة الساطعة أنه في القضايا الجوهرية، لا يمكن تخطّي الاختلافات بالتلفيق الكلامي، كما تبيِّن التجارب الإنسانية في السياسية وغيرها. ولهذا يُفترض بناء المقاربات والمشاريع والطموحات السياسية لأيِّ فريق على حسابات دقيقة ومتأنّية، وحاصل كلِّ زلَّة ورطة وكلفة، قد تذهب بصاحبها وبمكانته وحضوره وفرصه الواقعية في بنية النظام اللبناني ومعادلاته، وأيَّا كان الموقع المقصود.

كلمتنا الصادقة الى الوزير باسيل ونصيحتنا أن يستمع الى السيد نصرالله ورأيه في الاستحقاق، وأن يستفتيه النصيحة والرأي قبل أن يتورَّط باتصالات ومواقف وحسابات، قد تكون كلفتها اللاحقة عليه وعلى التيار باهظة، فلا تجلب الرئاسة، ولا تحفظ رصيدا كافيا في معادلات القرار والسلطة عند الناس والحلفاء.

الترياق الغربي والأميركي سمٌّ زعاف لبلادنا وشعبنا، والخيارات الوطنية تُبنى على معرفة العدو، والموقف الصارم منه ومن خططه ومشاريعه لتحقيق المصالح الوطنية العليا في كلِّ الظروف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى