بقلم غالب قنديل

حركة القوة الروسية وانجازاتها السريعة  

غالب قنديل

الرسائل الروسية الاستراتيجية والعملانية من خلال الجراحة العاجلة في أوكرانيا تبدو أعمق من مجرد استعراض للقوة وفرض الهيبة. فقد أظهرت العمليات العسكرية الروسية قدرات هائلة واستثنائية، وميزات تقنية وعملانية مبهرة في سرعة الحركة وحسم الموقف الميداني على مسرح عمليات غير بسيط.

ملفتا كان اندفاع القوات الروسية بسرعة، وكذلك قدرتها على الحسم ومواصلة التقدم والانتشار دون ترك أيّ فجوة زمنية أو ثغرة عسكرية. فقد كانت السيطرة الخاطفة والتامة على مناطق شاسعة كثيفة السكان وفيها مواقع اقتصادية حيوية ومهمة.

سيقتضي مرور وقت لاستجلاء التفاصيل والوقائع الكافية عن المسار العسكري والميداني للعمليات الروسية الخاطفة، وما رتّبته من نتائج سريعة. والأهم أنها لم تدع أيّ ثغرة ميدانية، قد يرغب خصوم روسيا ومنافسوها بقيادة الولايات المتحدة في استثمارها والنفاذ منها، بدافع توظيف النتائج في النيل من التحولات المحقّقة منذ صعود القوة الروسية ونهوضها، ونشوء الشراكة العميقة والمتينة بين الجبّارين الروسي والصيني، وهي ذاهبة إلى التكامل في القدرات الاقتصادية والتقنية والعسكرية.

الهدوء السياسي والإعلامي الروسي يعكس ثقة عالية وراسخة بالقدرات الميدانية الروسية، والإمكانات المتاحة لحسم الأمور عسكريا وسياسيا في سرعة قياسية، وعدم السّماح بأيّ فجوة زمنية أو سياسية وميدانية يمكن أن تفتح شهية أيٍّ كان للتدخّل وحشر أنفه، أو محاولة النيل من الهيبة الروسية والحؤول دون تحقيق الأهداف الروسية، التي رُسمت بجراحة عاجلة لاستئصال الدرن الفاشي الخبيث، الذي هو تهديد فتّاك قابل للانتقال والتفشّي الى أكثر من بلد في الجوار الإقليمي لمسرح العمليات.

نجحت القوات الروسية في حصر الجراحة العسكرية ميدانيا بالبؤر الفاشية، وطمأنة الرأي العام والقوى الحيّة في المجتمع الأوكراني. واستند الرئيس بوتين الى القدرات الروسية العظمى، والى رسوخ التفاهمات والشراكات الروسية، ولا سيما مع الصين عملاق الشرق الهادئ والمتوثّب، إضافة إلى ثقة عالية بالتحالفات والصداقات الروسية في دوائر متعددة، أظهرت استجابة سياسية بالمساهمة المباشرة في فضح أعداء روسيا والتصدّي لحملاتهم المضلِّلة.

سّدّت كل المنافذ في وجه الغرب بوضوح الصورة وسرعة الحركة العسكرية، التي أتاحت انتصارا قياسيا في الزمن الذي استغرقه تحقيق الإنجاز كمحصّلة عسكرية، وكذلك كنتيجة سياسية مبرمة وواقع ميداني غير قابل للارتداد.

الكلمة التي وجهها الرئيس بوتين بعد العمليات الميدانية كانت حازمة واضحة كعادته، وهو قدّم صياغة احتوائية في التعامل مع النتائج الميدانية والسياق العسكري للأحداث، فحصر الهدف بالعصابات النازية، ورسّخ علاقة الأخوّة والشراكة الوثيقة مع الجيش الأوكراني النظامي، الذي تربطه علاقات متينة وتاريخية بالجيش الروسي.

نستطيع فهم الدينامية العسكرية الروسية وسرعة إنجازاتها من خلال منهجية بوتين في التعامل مع الأحداث بصورة لا تترك فرصة أو ثغرة لتدخّلات وأوهام بتخليق بؤر استنزاف ميداني أو سياسي، تنال من القوة الروسية وتأثيرها وتشتّت جهودها.

تنطلق روسيا من موقع الفهم الجيوسياسي لمنطقة العمليات وتردّداتها المرتقبة في دوائر قريبة وبعيدة، تشهد حضورا روسيا سياسيا واقتصاديا وأحيانا عسكريا، كما هي منطقة المشرق العربي، حيث شكّل التواجد العسكري والسياسي والاقتصادي الروسي في سورية مفتاحا لتحوّلات ومعادلات قاهرة لا تقبل الارتداد، وهي تفتح آفاقا رحبة وغنية للشراكات البنّاءة، وتقدم نموذجا راقيا للتكتّل والتعاون بين الدول المستقلة على أساس الاحترام المتبادل للحساسيات والخصوصيات والأولويات، بما يعزّز الثقة ويرسّخ روح التعاون والشراكة في مقارعة الهيمنة الاستعمارية.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى