بقلم غالب قنديل

 الثورة التي أحيت نزعة التحرّر في المشرق

 

غالب قنديل

شكل انتصار الثورة الإيرانية بقيادة الإمام أية الله الخميني نقطة انطلاق لتحولات وتداعيات تاريخية كبرى في المنطقة والعالم. وقد تلقّفنا كثوريين تلك البشارة باحتفال وتفاؤل، ومن موقعنا اليساري الماركسي لم نتهيّب إعلان التضامن مع ثورة إسلامية يقودها إمام يجاهر بهويته الفكرية والعقائدية الدينية الإسلامية. 

 

ما أثار فضولنا الفكري والثقافي للتبحّر في فكر الإمام الخميني أنه جاهر بتبنّي قضية فلسطين واعتبرها مركزية محورية في مستقبل المنطقة ومصيرها. وفي وهج الحدث الثوري العظيم أقبلنا بنهم فكري وشغف على قراءة ما تسنى لنا الاطلاع عليه من الكتب والمؤلفات التي انتشرت بكثافة بين أيدي المناضلين والمثقفين والكتّاب والصحافيين، وكانت نافذة فكرية ثقافية على تحول غير عادي واستثنائي في تاريخ المنطقة والعالم.

 

ضاعف، في اعتبارنا، من أهمية الثورة الخمينية وتداعياتها المرتقبة في منطقتنا، ما كنّا نعلم عن حجم ومتانة التحالف والشراكة بين الكيان الصهيوني ونظام الشاه العميل حارس الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، الذي سُمِّي بشرطي الخليج. وكنّا على دراية ببعض أدواره ومساهماته المعادية في بلداننا، من خلال دعم وتمويل عصابات وحكومات وزمر رجعية عميلة.

 

كان انقلاب الصورة بانتصار الثورة الإيرانية أول الطريق إلى مسار جديد، يستنهض نزعة التحرّر والمقاومة المعادية للاستعمار والصهيونية وانقلاب إحدى قواعد الهيمنة الكبرى والرئيسية وتحولها لقلعة حرّة وسند قوي مقتدر لحركات المقاومة وقوى التحرّر ولكل كفاح ثوري تحرّري في المشرق والعالم الثالث.

 

كان من أبرز المزايا في النظام الاسلامي، الذي هندسته عبقرية الخميني، مقاومته للركود والتكلّس البيروقراطي، بحيث احتفظ بحيويته الثورية وقدرته على التجدّد والتطوّر في وجه التحديات والمتغيرات. ولذلك لم تتوفّر أرضية مناسبة للتكلّس والارتداد، كما حصل في البلدان الاشتراكية، التي قادها التغوّل البيروقراطي في متاهات الارتداد الرجعي.

 

نستطيع الاستنتاج أن الإمام الخميني درس تلك التجارب واستخلص العبر، وهو المفكِّر والمثقّف المتابع، ولم يكن ابتكاره لآليات الحكم الجمهوري مصادفة عفوية. وما بناه وراكمه السيد الخامنئي في ذات الطريق شكّل محطة نضج متقدّمة فكريا، واستراتيجية لتجربة رائدة في المنطقة والعالم المعاصر.

 

مع مرور الزمن تبقى النتائج، وينسى الناس بقوة العادة تفاصيل المخاضات والمسارات، وفيها شواهد معاناة وتضحيات وقوة ابداع وابتكار، تختزنها تجربة رائدة ومشعّة في عالمنا المعاصر، وصروح تطور اقتصادي صناعي وتقني. وايران الحديثة المتقدّمة تحقّق مؤخرا إنجازات عظيمة على أكثر من صعيد في العلوم والتكنولوجيا والطبّ والصناعات الدوائية وغيرها، بفضل جيوش العلماء الباحثين والخبراء المجرّبين.

 

هذه الجمهورية التي تجذّرت في التخلّق بالتواضع الخميني نادرا ما تستعرض ما لديها، وتؤثِر إشهاره في مواضع الحاجة والضرورة، وفي مواقيت مدروسة ومحسوبة.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى