بقلم غالب قنديل

التقشّف وشدّ الأحزمة بعد الانهيار: التغيير القسري

 

غالب قنديل

فرض الانهيار المالي والاقتصادي حالة قسرية من التقشّف والانكماش الاستهلاكي. فأوجب تغييرا هيكليا اضطراريا في عادات ونمط عيش اللبنانيين من سائر الفئات الاجتماعية، تساوقا مع الظروف الصعبة. وتظهر المعاينة المباشرة لواقع الأسواق الاستهلاكية ويومياتها ملامح متعدّدة للتكيّف الذي تسعى اليه الشرائح الاجتماعية الدنيا والمتوسطة، بل وبعض الميسورين كذلك، خصوصا أولئك الذين تفصلهم عن ثرواتهم المحجوبة تدابير مصرفية مالية مشدّدة بعد الزلزال.

في سنوات الرخاء النسبي التي انقضت تمتعت الشرائح الدنيا والمتوسطة بمعدلات دخل مقبولة ومستويات عيش جيدة، وقبل مرحلة شدّ الأحزمة الراهنة. أما اليوم فإن الحساب التقشفي يجتاح يوميات الشرائح الوسطى والدنيا بلا استثناء. وقد تلاشت هوامش الترف والترفيه جذريا، وتقلصت بعدما باتت من اختصاص الميسورين المترفين وامتيازاتهم في نمط العيش والطاقة الاستهلاكية.

 

قبل كتابة هذا المقال كنت أتشاور مع زوجتي في شأن فاتورة المولّد التي اضطررنا لخفضها وخفض قوة الاشتراك، الذي التزمنا به في المبنى ليصبح في حدود الإنارة وتشغيل الضروريات من تجهيزات بيتنا الكهربائية والإلكترونية، ولأننا نقترب من فصل الربيع وجدنا أن الاستغناء عن المدفئة الكهربائية ممكن، وقررنا أن عدم تشغيل السخان المائي على المولد من ضرورات التكيّف، واذا لم يسعفنا التيار الكهربائي بتغذية مقبولة سوف ندرس تقليصات أخرى لنوازن النفقات مع دخلنا الفعلي..

 

الكهرباء في يومياتنا باتت من الضرورات الملحة. ولا شك أن حلّ هذه المعضلة اللبنانية سيكون حدثا مهما بالنسبة للناس، يولّد انفراجات متعدّدة المظاهر والمنافذ والمواضيع. والمفجع في الواقع أن السلطة السياسية المعنية لا تعطي بالا للموضوع بما يستحقه وتأنس الترقيع الموارب دأبها في شتى القضايا والمشاكل، وهي واقعيا خاضعة لتأثير أخطبوط نفوذٍ ومصالحَ، يضمّ وكلاء شركات المولّدات ومستوردي وموزعي المحروقات.

 

سيبقى التنعم بخدمة التيار الكهربائي الطبيعي والمنتظم على مدى النهار والليل أمنية يحلم اللبنانيون بتحقيقها ويقينا ستكون كلفتها عليهم أيا كانت أقل مما يتكبدونه اليوم وهذا ما برهنت لي عليه دراسة مقارنة لمجموع فواتيرنا الشهرية ونحن عائلة شديدة التقشف في استهلاكها قياسا إلى معدل دخلنا المقبول.

 

ستكون الكهرباء أكثر أمانا وأقلّ تلويثا للبيئة من غابة الدواخين، التي تنتشر على أسطح المباني ومعها رسوبات وأضرار صحية مؤذية وعاهات بيئية كثيرة، وهي أقلّ كلفة بمعدل عشرين بالمئة على الأقل، وهو فارق مؤثر محتسب بالنسبة لمعظم اللبنانيين بجميع مستويات عيشهم ومداخيلهم.

 

تمنيت وحلمت يوما بمزارع شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية، التي حلم بها العالم الفيزيائي العبقري حسن كامل الصباح وفيها إمكانية وقدرة تتخطى ما نتوسّله لتسخين المياه في منازلنا. ويمكن لنا في بلد الشمس أن نحقّق الانتقال إلى استحداث شبكة من محطات وحقول التوليد الشمسية للطاقة وإنتاج البطاريات بالكثافة المناسبة لحاجاتنا. ولو أن السلطات المعنية وظّفت بعض ما أهدرته سابقا لكنّا في غنى عن أي نجدة أخرى نتوسلها من قريب او بعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى