بقلم غالب قنديل

المشكلة عجز السلطة وليست في تحرك المقاومة

غالب قنديل

كان نشوء المقاومة وصعودها بفصائلها المتعددة خلال العقود الماضية تعبيرا عن خلل عضوي في النظام السياسي اللبناني التابع للهيمنة الذي بلغ في ارتهانه وتبعيته للأجنبي حد التواطؤ والتآمر مع العدو الصهيوني في استهداف المقاومين واستخدام التصفيات الدموية ضد رموز ورواد نهضوا لحمل المسؤولية الوطنية بشجاعة وبادروا إلى اشهار السلاح في وجه العدوان.

 

قضى القرار السلطوي بتجميد الجيش اللبناني وتنحيته عن موجبات الدفاع الوطني لحشره في واجهات الاستعراض والتشريفات وتم توريطه في مهام قمعية قذرة غداة النهوض الشعبي الذي شهدته البلاد منذ عقود وقد تلطخ شرف الجيش وجنوده وضباطه بدماء مزارعي التبغ وعمال غندور بينما منع عنه شرف الدفاع الوطني.

 

على مدار عقود جرى التنكيل بالمبادرين الشجعان من الضباط والجنود الذين كسروا اوامر قيادتهم وجسدوا المشيئة الوطنية السيادية ونبذوا كل أمر او قرار يخالفها ومثل بعضهم بكل بطولة وشجاعة في قاعات المحاكم وقدموا إلى القضاء العسكري حين خرقوا أوامر الخنوع والاستسلام واستجابوا للشعور الوطني وموجبات الكرامة والسيادة وكثيرة هي الوقائع المشهودة والأسماء المخلدة في الذاكرة الوطنية.

 

منذ عقود وعلى مدار السنوات نحي الجيش اللبناني عن واجباته اتجاه شعبه ووطنه وحشر في حواشي التشريفات والاحتفالات والعروض بعيدا عن موجبات الدفاع الوطني التي تبنى لها الجيوش وتحشد الامكانات والقدرات العسكرية القتالية في أي بلد طبيعي.

 

جاء تطور المقاومة التي أطلقها وقادها حزب الله تتويجا لمسار تاريخي تراكمت في سياقه تضحيات وخبرات ومبادرات حزبية وطنية عبر اجيال متعاقبة من المقاومين بلغت ذروة تطورها التراكمي وتجذرها في الميادين والساحات مع القائد الشهيد عماد مغنية ورفاقه الأبطال الذين تجلوا وبكل اقتدار وعلى مدى السنوات الأصعب بإبداعات مذهلة في التخطيط والإدارة العملانية وفي جدارة القيادة وكسب الحروب لدرجة قلبت المشهد رأسا على عقب وأنهت خرافة التفوق الصهيوني الى غير رجعة والحصيلة أن العدو المتغطرس والمدجج بأحدث الأسلحة الغربية يقف ويتخفى خلف الجدر مذعورا مرعوبا من قدرات المقاومة ومن قوتها الهادرة المتمرسة.

 

ميزة هذه التجربة التي يخوضها حزب الله أنها قامت على التلاحم والتكامل بين الجيش والمقاومة وهي سمحت بتبلور خبرات وشراكات في معمودية تاريخية واستثنائية من تكامل القدرات والكفاءات بين القوى الشعبية المقاتلة والمؤسسة النظامية المحترفة.

 

الميزة الأبرز في منهج حزب الله وتجربته النضالية هي التعفف الرسالي والتواضع والتمسك بتقاليد التسامي الرسالي أخلاقيا ووطنيا ونبذ أساليب صرف النفوذ والترفع عن التذكير بفضل او جميل مهما كان حجم الإنجازات والتضحيات أو مقدار فيضها في الحياة اليومية للشعب والوطن وبكل زهد يتسامى الحزب وربى مجاهديه على تقاليد التواضع والإيثار التي تجعلهم محط احترام وتقدير شعبهم وعرفانه إلا من حجبت عنه مصالحه وارتباطاته تلك الوقائع فتستر بغلالة ضلال وانكار بدافع من غباء أو عمالة.

 

بعد هذه العقود من التراكم التاريخي يظهر الحزب اليوم كيف ان رصيده وعلاقاته هي قوة نوعية لوطنه وشعبه في الظرف الحرج الذي أعقب الانهيار الاقتصادي والمالي والحكمة والتعقل في منهج الحزب وسلوكه تثير التقدير والاحترام لحرصه الشديد على مراعاة الحساسيات في مسعاه الوطني لتنضيج اوسع ادراك وفهم ومساندة ممكنة للخيارات الأبعد مدى التي يعتلمها الحزب قبل الجميع ويمتنع عن فرضها بالإكراه وتسييل قوته المكرسة حصرا في ردع العدو وحماية الوطن والشعب.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى