بقلم غالب قنديل

كيف نحتفل بالميلاد ورأس السنة في زمن الانهيار؟

غالب قنديل
قلة قليلة من شريحة أثرياء ومرتاحي الحال تملك القدرة على تحمل نفقات الاحتفال بالأعياد بحدها الأدنى ولا نتحدث عن السفر لتمضية العطلة في الخارج وهذه صارت ميزة لشريحة تضيق من الأثرياء والمرتاحين ذوي المداخيل بالعملات الأجنبية وثلة النفاريش أي محدثي النعمة حسب اشتقاق الراحل الأستاذ الشيخ عبدالله العلايلي الفقيه اللغوي والمفكر الإسلامي العروبي التقدمي.
كم تساوي كلفة حبشة العيد مع المستلزمات المطلوبة لإعدادها؟ وما هي نسبتها من متوسط الأجر والراتب العادي لمواطن عادي ؟ طبعا بعض المسؤولين والقادة دفعوا بالدولار لمرافقيهم المكلفين بمشتريات الاحتفال بينما سيكون متوسط الحال من الناس العاديين يتجول على الواجهات وداخل المحلات راجفا مترددا يتحسس جيبه أو المحفظة مع رزمة من الأوراق النقدية بالعملة الوطنية وربما في كيس بيده.
ناهزت الحبشة ومستلزماتها ومطيباتها وحشوتها وباقي ما تحتاجه المائدة الميلادية العادية معادلا لراتب موظف من المراتب العليا لإدارات دولتنا العليلة وأضعافا لرواتب المراتب الدنيا في القطاعين العام والخاص بحيث يمكننا القول مثلا إن راتب الموظف الفلاني هو حبشة ميلادية طبعا دون متممات المائدة من الأطعمة والمشروبات المختلفة التي كانت تحشد دائما على موائد الميلاد وسائر الأعياد.
ليس هدف هذه الكلمات استدرار عطف القراء على الفقراء الذي كانوا ومازالوا محور اهتمامي وهمومي ولست في موقع استعطاف أي كان للرأفة بمن سحقتهم الازمات وسرقت منهم البهجة وحتى الابتسامة وانا شخصيا أعيش حالة مقيمة من التألم لأحوال الوطن والشعب خطفت الضحك العميق من أيامي فقد بات واحدنا يحس كل شيء كئيبا ثقيلا حنى لو اخترع مساحات عابرة من المرح والابتسام ليغالب ذلك الحزن العميق وترانا نقاوم ونكابر لنموه غلالة الدمع المكبوت فنخفيها عن أحبتنا والمحيطين بنا.
بصراحة أنظر اليوم باحترام عميق لكل بادرة إنسانية للتعاطف والتضامن مع المتألمين والمحرومين ولمواساتهم في الأعياد الممنوعة عليهم بحكم الفاقة وضيق الأحوال وما أكثرهم فالشرائح الوسطى في بلدنا باتت أقرب إلى العوز الذي تخطى اشعاعه كل خيال.
هذا عرض حال وطن وشعب نهبوه فأفقروه وسرقوا الابتسامة عن شفاه اطفاله بينما نخبه السياسية والإعلامية في غفلة وسكرة لاهية عن هموم البلاد والعباد وعلى سيرة الأطفال تمرين بسيط في استطلاع الأسواق اذهبوا إلى محلات ملابس الصغار وألعابهم وأعدوا قائمة مشتريات عادية افتراضية لتكتشفوا كم مليونا من الليرات تحتاج أي من العائلات البسيطة لتشتري ملابس جديدة لطفل او اثنين ناهيك عن الألعاب البسيطة والحلوى.
أما ان شئنا احتساب كلفة المعايدات البسيطة والرمزية مع اعتبار أن الناس في بلدنا تكيفوا بفطنة فاستبدلوا الورود والزهور بالتفتيش عما ينفع ويفيد الأقارب والأصدقاء واحيانا تختار العائلات اللبنانية تحايلا لطيفا ومهذبا بمغلفات صغيرة تحوي مبالغ نقدية مع عبارة مهذبة مألوفة من قبيل “احترنا في اختيار هدية لك والأفضل ان تشتري على ذوقك” أو “نجهل مقاسات ملابسكم نرجو ان تشتروا بأنفسكم” تقال العبارات بحب وخجل وتترك لمسة امتنان وفرح بينما تضغط على متلقي المبلغ رغبة جامحة في الخروج مسرعا لشراء ضروريات لم يستطع تأمينها لأسرته مؤجلا ترف الملابس الجديدة التي يريدها لصغار العائلة مقدما بهجة الأطفال على نفسه او نفسها وقد جلبت المعايدة مفاجأة سعيدة وفرجا عظيما وبسمة امتنان لمن بادر.
في الأعياد وغيرها يبادر معظم اللبنانيين اتجاه بعضهم لكنهم يفتقدون مبادرة مفيدة من سلطة غير رشيدة تجيد العويل والندب ولا تعرف طريقا نافعا لمسعى او مبادرة خلاقة مجدية من خارج سلال الاستدانة والتسول باسم الوطن المفقر المنهوب والشعب المنكوب.
بمناسبة الأعياد عهدنا ان نبقى صوت الناس ودعوة الفرح بمبادرات تشق ظلمة القهر عبر السير في طريق اعادة البناء الوطني وتذليل المصاعب بعزيمة المقاومين الشجعان الذين اجترحوا الاعجازات واقتحموا المستحيلات فقهروا العدو الذي قيل إنه لا يقهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى