بقلم غالب قنديل

الشراكة اللبنانية العراقية والفرص التائهة

غالب قنديل

يمثّل العراق الشقيق فرصة لبنانية نوعية تستحق اهتماما وعناية خاصة، لتطوير الشراكات المتشعّبة الممكنة في العديد من مجالات الاقتصاد والتعليم والطبابة والاستثمار الصناعي والزراعي. وتشكّل تاريخية علاقات الأخوة الراسخة بين الشعبين بيئة اجتماعية وثقافية مناسبة لبناء أفضل العلاقات والشراكات النامية المتطورة.

أولا: لولا مبادرة الأشقاء العراقيين لنجدة لبنان لما سمع كثيرون في لبنان عن وجود إمكانية عملية وموضوعية لتأمين حاجاتنا النفطية، ولما انتعشت ذاكرة البعض ليفلفشوا دفاتر الصادرات اللبنانية، ويصيحوا في وجوهنا وعلى مسامعنا بفيض معلومات عن تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويستذكروا زمانا مضى كانت فيه للعراق شراكة لبنانية سياحة وصناعة وتجارة ومصارف. وقد هاجت ذكريات بعض الكتاب المخضرمين في صحفنا عن الاصطياف العراقي في شوارع عالية وبحمدون وصوفر وفنادقها وشققها المؤجّرة للمصطافين وساحاتها وشوارعها ومقاهيها ومطاعمها، التي كانت تعجّ بالأشقاء، وعن مرابع بيروت ومنصّات التزلّج ومرافق السياحة الشتوية والصيفية المختلفة، لدرجة أن لبنان ولسنوات طويلة احتضن جالية عراقية كبيرة، قبل أن تعصف الحروب والكوارث ببلاد الرافدين. وللأسف تحكم التعامل اللبناني ذاكرة السمك قصيرة الأجل، ولا تُسال خطب الأخوة والثناء على المكارم إلا وفيها شبهة تكسّب وانتفاع، وابتذال سخيف لنبل الأخوة العراقية – اللبنانية على حساب النقاش الجدي المستحق في مجالات التعاون والشراكة، التي بات لبنان بأمسّ حاجة إليها مع العراق وسورية وإيران قبل العالم كله.

 

ثانيا: يتلاشى الكلام في الأثير، ويتبخّر سيل العواطف بسرعة، لتعلق في صنانير بعض السماسرة والوسطاء علاقات واتفاقات، تُسيّل إلى صفقات صغيرة، بينما تنصرف الحكومة والوزراء إلى البحث في العلاقات مع أميركا والغرب وصندوق النقد بدونية تسوّل واستعطاء. وبكل بساطة يُدار الظهر لملفات شراكة، كانت تستحق من أي حكومة جادة ومسؤولة، تسعى فعلا إلى انهاض البلد، أن تعقد خلوات، وتشكل ورش عمل من خبراء وسفراء ووزراء سابقين وحاليين، لبحث العلاقات الاقتصادية بين لبنان وسورية والعراق وإيران، ولتقم بمراجعة سجلّ الشراكة والتبادل والاتفاقات المبرمة مع هؤلاء الأشقاء، ولتعدّ لائحة تدابير وخطوات عملية وقانونية عاجلة لهذه الغاية. وهو أمر يفتح مسارات جديدة اقتصاديا، وينعش المصالح المشتركة، ويؤسس لتحوّل في العلاقات الإقليمية اقتصاديا بروحية التعاون والشراكة والخير العام. وهو ما يولد نتائج مبهرة سياسيا. ومن هنا كانت فكرتنا التي أثرناها سابقا عن اقتراح منظمة للتعاون المشرقي، ولنترك روح الشراكة تؤسس للتفاعل الثقافي والسياسي والتقارب الفعلي بين الحكومات والقيادات الوطنية والجماهير في بلداننا، من غير قوالب جاهزة أو مواقف مسبقة ودون اعتبار لأي خلفيات أو تأثيرات تتصل بمناخ التوهين والانخلاع الرجعي، الذي يسعى لخنق كل محاولة للتقدّم في طريق التعاون الإقليمي، الذي هو طريق الحياة والمستقبل.

 

ثالثا: من واجب الحكومة اللبنانية، بدافع احتواء الانهيار ومداواة نتائجه، أن تبادر بسرعة، فتشكّل فريقا من الخبراء لمتابعة الملفات المتصلة بالشراكة مع الجوار المشرقي كلّه، وبالذات مع العراق الشقيق، وإعداد أوراق النقاش والوثائق القانونية والمعطيات الموضوعية، التي يفترض أن يتزود بها فريق العمل الاقتصادي الدبلوماسي اللبناني، الذي سيتولى الملف، ويبدأ من إعداد اقتراحات عملية وقانونية ومالية مفتوحة على الفرص المستقبلية. وهذا أقلّ مستلزمات التفكير المنهجي. واذا كانت تحديات داهمة، وسط الكارثة، حرّكت نخوة الأشقاء، وسلطت الاهتمام على القضايا العاجلة كالإمدادات النفطية، فذلك لا يعفي الخبراء والدبلوماسيين من تحضير ملفات الشراكة بعقول استشرافية منفتحة ومستقبلية.

 

ليس ميؤوسا من إمكانية الخروج من الدوامة، وعكس الاتجاه الانحداري بانقلاب نحو النمو والانتعاش، لكن الأمر يتطلّب رؤيويه وشجاعة في المبادرة، بعيدا عن العلك والشعاراتية الفارغة، والانخلاع في ارتهان النخب لأفكار مسبقة بعيدة عن مقاربة المشاكل بواقعية، وسجينة توصيات هيئات الهيمنة اللصوصية في العالم الثالث.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى