بقلم غالب قنديل

الأميركي في سورية: سرقة النفظ والعرقلة

 

غالب قنديل

رغم التغييب المتعمّد في المشهد الإعلامي يحظى الاحتلال الأميركي في سورية بمكانة محورية ضمن خطة الهيمنة والنهب الاستعماري في الشرق العربي، وخطط اعتراض التواصل العابر لحدود الكيانات، الذي يؤرّق العدو الصهيوني المسكون بهاجس الجبهة الشرقية منذ عقود. فسورية قلب الجغرافية والاقتصاد، كماهي حصن المقاومة وقلعة التحرّر القادرة على جمع تكتّل يضمها مع العراق وايران ولبنان وفلسطين، وتخشى منظومة الهيمنة الصهيونية الاستعمارية من قيامه ونهوضه وتحوّله إلى قوة صاعدة، تقلب المعادلات في الشرق والعالم.

 

أولا: يستتبع التعافي السوري عودة الدينامية السياسية، التي تميّزت بها دمشق على مساحة المنطقة في العقود الأخيرة، وستكون دمشق هي الحاضنة لتحريك مشاريع التشبيك والشراكة بسرعة المبادرة ومصداقية الالتزام بالمصالح المشتركة، وهي، بما تملكه من رصيد تاريخي ومصداقية متراكمة، قادرة على لعب دور حاسم في قيادة العمل الإقليمي لتذليل العقبات وبناء التفاهمات والشراكات. وهذا هو الحاصل الفعلي لتاريخ سورية وموقعها. وسيكون عنصر التحفيز النوعي سياسيا واقتصاديا، لتسريع الشراكات العابرة للحدود في المنطقة، تبلور نواة التواصل والشراكة عبر سورية مع العراق ولبنان والأردن وإيران، وهذا قدر الجغرافية المشرقية العربية. ومن هنا تلحظ جميع الدراسات والتقارير الحديثة الخاصة بالنفط والغاز في المشرق محورية سورية كمصدر وكشريك رئيسي وممر اجباري للنقل والتصدير، وهذا العامل الاستراتيجي يقع في خلفية خطط الاستنزاف الممتدّ، لعرقلة التعافي السوري، وإطالة امد النزيف، ورفع الكلفة على الشعب والدولة.

 

ثانيا: يخشى الحلف الأميركي الصهيوني وطوابير العمالة في المنطقة من تعافي سورية، بعد انشغالها بنفسها طوال ما يتخطّى عشر سنوات، وهم يخشون من عودة الدور الإقليمي الديناميكي، الذي رموا بثقلهم للتخلص منه، وهذا الدور مرشّح، بعد التعافي، للتعاظم والتطوّر والتوسّع في بيئة إقليمية مؤاتية. ومعلوم أن الدوائر الغربية الصهيونية الرجعية تركز على محورية سورية في تشبيك العلاقات وبناء التفاهمات بين دول الإقليم نتيجة موقعها وثقلها ومكانتها الجيوسياسية والاقتصادية، ولأنها طليعة محور المقاومة والتحرّر بلا منازع. وسيكون من واجب الحكومات الحرّة المناهضة للهيمنة أن تؤازر الجهود السورية. وهذا يَفترض اتباع سياسيات صارمة، والتوجّه لبناء شراكات وثيقة في جميع المجالات المتاحة. وسورية لديها الكثير من المزايا التفاضلية، كما تزدحم في بنيانها الوطني فرص هائلة واعدة ومجزية للشركاء. وإذا كان قدر الجغرافية يسقط أوهام تعطيل التواصل بين دول المشرق، فإن بإمكان الفعل السياسي الواعي تسريع الوتائر الزمنية، وتظهير العائدات الوفيرة، وبالتالي تحصين المبادرات السياسية.

 

ثالثا: إن فرص التكامل مع سورية، هي وعد يشعّ بالخير على بلدان الجوار، والتكامل الاقتصادي المشرقي سيكون واعدا عالي الجدوى، يفيض بفرص تفعيل النمو والازدهار في المنطقة بأسرها صناعيا وزراعيا وسياحيا ومصرفيا وتجاريا، ومن مصلحة جميع حلفاء الجمهورية العربية السورية وشركائها تعجيل تعافيها بالقضاء على بؤر الاستنزاف والعرقلة، وسحق القيود المانعة للنهوض السوري المستحق. ولا مبرر لأي تماهل في سلوك الحليفين الروسي والإيراني في هذا المجال، خشية الاصطدام بالتدخّل الأميركي السافر أو بالدور العدواني التركي وفعله التخريبي الخبيث، وربط الحسم مع أدران العدوان وبؤره الخبيثة سيكون على حساب سورية وجميع حلفائها.

 

سورية الناهضة بانتصارها من ملحمة صعبة ومكلفة ستكون قلعة مشعّة ونامية، تفيض بالفرص، وكلّما تمّ تعجيل حسم الميدان لمصلحة التعافي السوري، سوف تتشكّل فرص نوعية لتذليل العقبات والعقد من طريق أخوّة شرقية واعدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى