بقلم غالب قنديل

الصين عقدة أميركية وفرصة مشرقية

 

غالب قنديل

تواصل مراكز الدراسات ووسائل الإعلام الأميركية رصد ومتابعة مؤشرات النمو الصيني المتعاظم، ففي جميع مجالات العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد. وتوضح مصنفات أميركية علمية وبحثية حجم الوثبة الحضارية الهائلة التي سجلها البنيان الصيني الهائل في شتى المجالات، وحيث لا تظهر أمامنا في العالم سوى أرقام وخلاصات، تظهر الفجوة الشاسعة في التطور الصناعي والتكنولوجي بين الصين وغيرها من الدول المتقدمة في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تعيش نخبها السياسية والبحثية ما يمكن تسميته بالعقدة الصينية رغم التشوّف الذي يطل برأسه بين السطور، حتى لو أبقته خطب التحايل كامنا مخفيا.

أولا: خلال العقدين الماضيين ركّز الإعلام الغربي عموما والأميركي خصوصا على فكرة اقتباس التكنولوجيا الغربية الصناعية، ونقلها إلى الصين بواسطة بعثات أرسلتها الدولة الصينية إلى الغرب تحت غطاء العمالة المهاجرة، أو لاحقا من خلال فروع للشركات الصينية. وانتشرت بصورة منظّمة روايات ذهبت الدعاية الغربية بها إلى التضخيم والمبالغة عن بعض العمال المهاجرين من الصين، الذين عادوا إلى بلدهم بالخبرات التقنية. وقالت بعض الروايات الصحافية إن بعثات العاملين الصينيين في الغرب، هي كناية عن كتائب منظمة لاستنساخ التكنولوجيا الصناعية وتوطينها في مختلف الأقاليم الصينية، التي شهدت نهضة صناعية هائلة، وهي بأي حال فعل اعتراف بالابتكار الصيني وتفوّقه. ولم يعد كافيا لفهم “المعجزة الصينية” تكرار مهزلة سرقة التكنولوجيا أو اقتباسها. ولكن ما نعيشه اليوم، هو تفتّح قوة صناعية هادرة وواعدة في مختلف المجالات، وليس فحسب في السلع الاستهلاكية الرخيصة والمنافسة.

 

ثانيا: لم تنكر الصين رواية استنساخ التكنولوجيا الصناعية الحديثة ولا نقلها وتوطينها، لكن الغرب ينكر عليها نجاحها في بناء صروح البحث العلمي والتكنولوجي ومعاهد أكاديمية عليا ومراكز بحثية، باتت في الريادة على الصعيد العالمي. وبينما يترنّح الغرب الصناعي في ركود وانحدار خطيرين، تسوده ثقافة ماضوية عبر التفاخر الغبي بما مضى من مجد الاكتشاف والابتكار والتهرب من الاعتراف للصين بريادية الابتكار، التي تأكدت بتطوير ما هو مكتسب والبناء عليه، وبعدما كانت الخرافة الغربية تقول إن ما تنتجه الصين من السلع مستنسخ خلسة عن نماذج غربية واميركية للسلع نفسها، بات الابتكار الصيني مشهودا له بتخطي مستوى التقدم الغربي في مجالات عديدة، واهمها برمجيات الكومبيوتر وصناعات رقمية عديدة. وتتسابق دول الغرب الصناعي لاكتساب الموافقات الصينية على إنتاج مشترك لبعض السلع بنسخ خاصة لحاجاتها الاستهلاكية، وهذه حال صناعات عديدة ثقيلة وخفيفة.

 

ثالثا: الميزة الصينية الهامة التي تعنينا وتمثّل تطورا نوعيا لنقل التكنولوجيا إلى الدول النامية المتمردة على الهيمنة، هي مضمون العلاقات الاقتصادية والسياسية الصينية المحكومة بالندية والتكافؤ مع سائر الدول الكبيرة والصغيرة على السواء، والتزام الصين بمبدأ رفض الهيمنة. وما يجعل صعود هذا المارد العالمي الشرقي المتقدم فرصة وصدفة سعيدة لشعوب كثيرة في منطقتنا بصورة خاصة، هو تبني الصين لخطة إحياء طريق الحرير كإطار لنطاق شراكاتها الاقتصادية، وضمن مبدأ الاستثمار في النمو والتكافؤ واحترام الخصوصية والتنوع، بما يغني الحضارة الإنسانية في جميع المجالات. وأمامنا في الشرق العربي مجالات هائلة للعمل والبناء، التي يمكن أن نستفيد فيها من الخبرات ونقل التكنولوجيا من خلال الشراكة مع الصين، ويجب ان تتحرك مبادرات عاجلة من دمشق وبغداد وبيروت لبناء أوسع شراكة ممكنة مع الصين في جميع المجالات لتحقيق وثبة اقتصادية مستحقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى