بقلم غالب قنديل

اغتيال الرشيد ومؤامرة التقسيم

غالب قنديل

أوجب المخطَّط الاستعماري الصهيوني تنفيذ الجريمة بأيد لبنانية عميلة، لتصنيفها ضمن مفردات الانقسام الأهلي الداخلي، وطمس طبيعتها وجوهرها كحلقة خطيرة وذروة سياسية في تدمير ركائز الوحدة الوطنية وإغراق لبنان في أتون التقسيم والتفتيت.

 

 أولا: لعل استقراء الأحداث الدموية العاصفة، التي تبعت استشهاد الرشيد، ولاسيما الاجتياح الصهيوني الأول عام 1978 وكلّ ما تبعه، وبالذات الغزو الصهيوني الواسع عام 1982، واتفاق السابع عشر من أيار المشؤوم وما أسفر عنه كل ذلك المسار المشؤوم من دمار وخراب وموت ودماء برهانا ليكتشف اللبنانيون، الذين لم يعاصروا الرشيد أي دور اضطلع به في الحياة الوطنية ليمثل هدفا للمخططين الصهاينة، يفتحون بقتله مسارا لتمزيق البلد واحتلال معظم أراضيه وصولا إلى العاصمة بمعونة عصابات عميلة كانت وراء جريمة الاغتيال، التي مهدت لاغتيال البلد بجريمة، أعطيت للتضليل، لبوس النزاع السياسي المحلي، وهي ليست سوى حلقة من التخطيط الاستعماري الصهيوني، الذي تكشّفت فصوله تباعا.

ثانيا: نحتاج في هذه الظروف الحرجة، وبعد ما بلغه شوط المعاناة اللبنانية في مسار الانحطاط السياسي العام، إلى إحياء القيم الوطنية العربية، التي تمسّك بها الرشيد بكل تواضع وهدوء، وهو المعروف ببرودة أعصابه وتهذيبه في وجه الاستفزاز والشتيمة والتجنّي، وكان في ذلك يجسّد ثباتا ورسوخا نادرين على القيم الوطنية والعربية، التي كان رمزَها السياسي بلا منازع في تاريخ لبنان المعاصر. وسيبقى الرشيد، الذي لا تعرف الأجيال الشابة سيرته، علامة فارقة في تاريخ لبنان المعاصر، الذي ما يزال، بكل أسف، منذ اتفاق الطائف خارج المناهج التعليمية، وتُحرم الأجيال الطالعة من تعلّم العبر والدروس ومن التشبع بالروح والخصال، التي جسّدها كبار كالرشيد بموازاة التعرّف على العمالة والفتنة، التي سعت إلى تمزيق البلد وإحراقه، تحضيرا للغزو الصهيوني الكبير، الذي أطلق إعصار الدم والنار والخراب إلى أن نهضت المقاومة البطلة وأطلقت مسار التحرير والخلاص.

ثالثا: إن مدرسة الرشيد وما يمثله الزعيم الراحل من قيم تجدّدت مع الرئيس الراحل عمر كرامي، شقيق الرشيد والمقاومة الوطنية العربية، وهي اليوم حية باقية مع الوزير الصديق فيصل كرامي، وهي شعلة ملهمة ومتجددة على مفارق النضال الوطني التحرّري العروبي في بلادنا، تلهم المقاومين الشجعان وسائر دعاة التحرّر والتغيير والوحدة الوطنية. فالرشيد كان وسيبقى علامة فارقة في تاريخ لبنان المعاصر بوطنيته وعروبته ونزعته التحرّرية الوحدوية، وأقل واجبات الإعلام الوطني الإضاءة بقوة على القضايا والمعالم، التي ميّزت سيرة الرشيد الوطنية العروبية الحافلة ومزاياه كرجل دولة حكيم، قاد حقبة هامة من تاريخ بلدنا المعاصر، وطبعها بمزاياه وخصاله الكثيرة، وأضعف الإيمان أن يُنصف هذا الزعيم الوطني البارز بما يتخطّى بيان مظلومية قتله على يد عملاء الموساد، الذين مهّدوا لاحتلال بيروت وإحراق لبنان برمته، بما يتخطّى نطاق التعامل مع جريمة اغتيال موصوفة إلى مؤامرة اغتيال وطن وشعب، ما زال البلد يدفع حتى اليوم أكلافها، ويتحمل خسائرها وتبعاتها، فهي كانت فاتحة مسار تخريب وتدمير ما زالت نتائجه المتراكمة تعترض مسار التعافي في بلد المقاومة، الذي انتصر على المحتل، وأحيا روح الرشيد بانتصار المقاومة حين أذل صهيون عن بكرة أبيها، فبات البلد الصغير، بلد الرشيد، هو العقدة التي تسكن المخيلة الصهيونية، وتقض مضاجع الغزاة الغاصبين، وتزلزل عقائدهم العدوانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى