بقلم غالب قنديل

النهوض السوري القادم وانعكاساته

 

غالب قنديل

تتجه القيادة السورية الى ورشة شاملة، واسعة، عميقة اقتصاديا، ستكون قادرة على تخطّي واحتواء آثار الحرب المدمّرة والتخريب المنهجي، الذي تعرّض له لاقتصاد الوطني السوري في فصول الحرب الكونية على سورية. وهذه الحركة السورية بانعكاساتها الوطنية والإقليمية، هي رافعة تاريخية للشرق العربي وقوى التحرّر والمقاومة لما تمتلكه سورية من قوة وتأثير في المعادلات، وبفعل موقعها المركزي والقيادي في محور المقاومة إقليميا، ومعسكر التحرّر والاستقلال عالميا.

 

أولا: لن نكرّر ونعيد حول حقيقة المكانة الاستراتيجية السورية في معادلات الشرق والعالم، ودورها المحوري في استنهاض إرادة التحرّر على الصعيد العربي. فسورية كانت تاريخيا ولّادة وحاضنة للأفكار والمبادرات التحرّرية القومية، وهي شكّلت ولا تزال مركز إشعاع في محيطها الطبيعي، كان هو مصدر تأثيرها وهيبتها في المنطقة والعالم، وسرّ استهدافها بأبشع خطة تدمير واستنزاف وحصار، قادها الحلف الاستعماري الصهيوني وأدواته الإقليمية والمحلية خلال السنوات العشر الأخيرة.

سورية اليوم تتحفّز لنهوضها بقيادة الرئيس بشار الأسد. وبالتالي بقيادة تجمع بين الرؤية التاريخية الواضحة والخطة الاستراتيجية لاستنهاض القوى الحية في المجتمع السوري مع الشراكات الموثوقة، التي يمكن الاعتماد عليها. وسورية اليوم، في سياق انتصارها ونهوضها من جديد هي موضع الثقة والاحترام من قوى هادرة وصاعدة ومهابة في العالم كلّه، قدمت لها سورية الكثير بمصداقية وثقة، وكانت الحليف الصلب، الذي يمكن الاعتماد عليه. ولذلك يمكن لنا أن نفهم وندرك سرّ الحرارة العالية في تضامن كلٍّ من روسيا والصين وإيران مع الشقيقة سورية، وحرص هذه الدول على فعل كلّ ما هو ممكن للمساعدة في دعم مشاريع الرئيس بشار الأسد لإعادة البناء بعد الحرب، ولإنهاض القوة الاقتصادية السورية، وتعزيز مقدّرات الدفاع والردع والحماية باستمرار في مجابهة التهديد العدواني الصهيوني والغربي دفاعا عن سورية. لذلك فإن القوة السورية المحصّنة بهذه التحالفات والشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، تحقّق أكثر فأكثر مزيدا من الثبات والحصانة في مسيرة إعادة البناء والنهوض بعد الحرب.

ثانيا: إن القيادة السورية تُظهِر على الدوام قدرة عالية على المبادرة وتطوير عناصر القوة ومزايا التفوّق والقدرة التنافسية السورية في جميع المجالات. ورغم الصعوبات والتعقيدات، التي أضافتها الحرب وحالة التدمير والتخريب الواسعة، التي لحقت بالاقتصاد الوطني، فإن الإرادة الوطنية التحرّرية وحرص القيادة على حشد وتعبئة جميع الطاقات الحية في المجتمع لإعادة بناء ما خرّبته الحرب، يوفّر فرصة مهمة لإعادة انطلاق الاقتصاد السوري، وترسيخ مزاياه التنافسية النوعية، وقدراته الكمّية الهائلة، استنادا الى ما لاحظه جميع  الخبراء الغربيين من تنوّع موارد الثروة الوطنية، وفتوّة الشعب العربي السوري، وتقاليده الإنتاجية الراسخة. وقد تحدّث خبراء غربيون في علوم الاقتصاد السياسي في مناسبات عديدة عن مزايا القوة السورية، التي كانت واقعيا في خلفيات التدمير الشامل، الذي تعرّضت له سورية خلال السنوات الماضية. فالغرب يخشى كثيرا من دولة تحرّرية صلبة، على رأسها قيادة ديناميكية. وقد حاول في مخططه ضد سورية أن يدمّرها ليخضعها، وهو اليوم يطمح الى تأخير نهوضها وعرقلة مشاريعها الطموحة.

ثالثا: بعد كلّ ما جرى، تستمر الضغوط والمحاولات لعرقلة النهوض السوري في أكثر من مجال، ولا سيما بمواصلة الضغوط القصوى والعقوبات الخانقة اقتصاديا وسياسيا وماليا، وبإبقاء الدولة الوطنية السورية في مجابهة مستمرة مع خطر العدوان الغربي – الصهيوني، بعد انهزام الأدوات العميلة المتمثّلة بجيوش الإرهاب. ولذلك، نلاحظ أن الضغوط السياسية والاقتصادية، هي أدوات الحصار بعد هزيمة الحرب بالوكالة، والعجز عن الغزو العسكري المباشر، لامتلاك سورية وحلفائها، ولا سيما إيران ومحور المقاومة وبصورة خاصة حزب الله، قدرات رادعة نوعية، تكبّل الغطرسة الأميركية – الصهيونية ميدانيا. وقد تطورت الشراكة بين سورية وهؤلاء الحلفاء الموثوقين خلال العدوان وفي مجابهته الى درجة دمج القوى والإمكانات بأكثر من شكل وفي غير صعيد، وتطوير قدرات الردع، التي تغلّ المعتدين وتكبّلهم. وهذا سرّ التركيز على أولوية أدوات التكبيل الاقتصادي والمالي والسياسي للقدرات السورية في مرحلة الحصار والضغوط، التي تجابهها سورية بثبات، وبخيارها التحرّري الصلب.

لن يستطيع الحلف الاستعماري الصهيوني، بعد التحولات الكبرى عالميا وإقليميا، وبنتيجة الثبات السوري وصلابة محور المقاومة، أن يعيق مسيرة البناء والنهوض، التي تخوضها سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد. وستكون القوة السورية الجديدة ولّادة لمعادلات وتوازنات، تراكم المزيد من التحولات الكبرى، وتصدم جميع قوى الهيمنة والعدوان في المنطقة والعالم.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى