بقلم غالب قنديل

دوامة التخلّف والعجز وهدر الفرص

غالب قنديل

تتواصل الجدالات اللبنانية في دوامة عقم وعجز وخواء فكري وثقافي. بينما تجترّ القوى السياسية خطبا بعيدة عن التحوّلات الكبرى الجارية والفرص المتاحة، ونحن بلد مستنزف يندفع الى كارثة كبرى.

 

أولا: إن ما يجري في الشرق وفي العالم، يوفّر فرصا جدية لجميع دول العالم الثالث. ولبنان البلد الصغير، يمكن أن يَجري إنقاذه وإنهاضه اقتصاديا بإمكانات لا تمثّل شيئا مما ترصده القوى الشرقية الصاعدة لمشاريعها العملاقة، التي يمكن أن يكون انضمامنا إليها فرصة ثمينة لإعادة بناء شاملة وجذرية لاقتصادنا، تنقل بلدنا الى وضع تاريخي غير مسبوق، يسمح له بتلبية طموحات الأجيال، وإنهاض القوى الكامنة في المجتمع لمواكبة الفرص الكبرى والواعدة.

المفجع أن واقعنا السياسي وحركتنا الإعلامية يعكسان يوميا حالة من اليأس والعجز وعدم القدرة على الابتكار، هي من مظاهر غرق البلد في مستنقع موحل، جذره الرئيسي إدمان عادات وتقاليد وأنماط تفكير مرتبطة بالخضوع للهيمنة الغربية ولمنطق التبعية والنمط الاستهلاكي دون الطموح الى دور جديد، يناسب التغييرات، ويلتقط الفرص، ويكسر حلقة الانهيار المروّعة. والأنكى من كلّ ذلك، أن الواقع السياسي المتخلّف يترنّح في مفردات التآكل والنزيف. وظل نداء السيد نصر الله قائد المقاومة لصحوة وطنية وتفكير جديد يلتقط الفرص الواعدة في الشرق، ويكسر حلقة الارتهان للهيمنة الغربية – الأميركية بدون أي صدى. وران بعده صمت القبور وإدارة الظهور، وكان الغمز واللمز والطعن الخفي من مفردات التعامل التي أبدتها جهات مشبوهة.

وهكذا تمّت إدارة  الظهر من قبل الواقع السياسي والإعلامي المريض والمرتهن في التعامل مع أطروحات مهمة ونوعية، تفتح العيون على فرصة تاريخية لإنقاذ لبنان.

ثانيا: يستغرق واقعنا الإعلامي والسياسي في مماحكات سفسطائية. بينما يعلم الجميع أن لا ترف لأيٍّ كان في هدر الزمن. ويعرف جميع السياسيين بدون استثناء، حجم الكلفة المضاعفة، التي يرتّبها تمادي الانزلاق في الهاوية، وتأخّر المبادرات الإنقاذية. وإذا كان استمرار الفراغ الحكومي ومعه حلقة تبادل الاتهامات و”سفاسف” التناحر السقيم، هي مظاهر نافرة في الأداء السياسي، فإن أخطر ما يبدو اليوم هو البلادة الفكرية والتعوّد على حالة الفراغ والمراوحة. بينما تتراكم عوامل الانهيار في دفعها للبلد نحو هوة سحيقة.

إن هذا الواقع يكشف حالة خطيرة من التبلّد والعجز، رغم كثافة الادعاءات، التي تنهمر علينا من سائر المعنيين، وعن حرصهم على الإنقاذ، بينما هم يهدرون الزمن. ولا نقع في ما ينتجون ويعمّمون من خطب وطروحات على غير الفراغ والمراوحة عند حسابات الحصص الحكومية. وكأن المسألة الراهنة يمكن أن تُختصر بوزير من هنا أو هناك، وليست مسألة الحاجة لمشروع جديد وإنقاذي، تّستَنفر سائرُ الجهات المعنية لبلورته وتحوّله الى خطة عمل، وتشكيل فريق تنفيذي مؤهّل لإنجازه.

ثالثا: ما نحتاجه اليوم، هو مغادرة جميع الأفكار والطروحات المعلوكة والمستهلكة، واعتماد طريقة جديدة في التفكير. ونعرف أن الواقع السياسي القائم ليس في هذا الوارد بمعظم مكوناته. ولذلك فقد أداروا ظهورهم للطروحات والأفكار، التي اقترحها قائد المقاومة السيد حسن نصر الله، وهي تصبّ في رؤية إنقاذية شاملة، واسترسلوا في اجترار مفردات التناحر والتناتش، بعيدا عن لبّ الموضوع. ن

حن نعلم بالقياس العلمي لما يواجه البلد من تحديات، وبما نتابع من مشاريع وطروحات الجهات السياسية المختلفة، باستثناء السيد نصر الله، أن ما من أحد آخر طرح أو اقترح فكرة خلاقة خارج لحس المبرد، تفتح الأبواب والعيون الى فرص جديدة للإنقاذ وللنهوض الفعلي باقتصاد البلد.

البلادة والتخلّف يلازمان نظامنا السياسي. ولذلك نراوح اليوم في أخطر حلقات الانهيار الشامل. ولا يمكن الخروج من هذه الحلقة المفرغة بدون كسرها بإرادة صلبة، تحمل برنامجا للإنقاذ، قاعدته خطاب السيد الأخير. وكلّ جهد خارج هذا الإطار، هو هدر للوقت، ومواصلة الإصرار العقيم على تجريب المجرّب. وعلى الواقع السياسي والإعلامي أن يرقى بخطاباته ونقاشاته الى مستوى مشروع الحل، الذي اقترحه قائد المقاومة، وفيه أمل الإنقاذ والنهوض الجديد للبلد باقتصاده ومجتمعه. وليس فحسب، منع اندثاره وتعفّنه في هوة سحيقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى