بقلم غالب قنديل

مشروع الإنقاذ في نداء نصر الله

 

غالب قنديل

يؤكد قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله في محطة جديدة وحاسمة، تجمع اللبنانيين على هواجس مشتركة وهموم وآلام نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي، أنه يجمع بين صفة قائد المقاومة وروح الوفاق الوطني وحكمة الجمع في سبيل الخلاص والتصدّي للتحديات. وقائد المقاومة، الذي يجمع في شخصه صفات ومواهب، تجلّت في إدارة الصراع مع العدو، وأظهر في أكثر من محطة تاريخية حكمة نادرة في التصدي للتحديات الاستراتيجية الكبرى دفاعا عن بلده وشعبه، تجلّى في خطابه أمس بوصفه حكيم الجمهورية، الذي يرسم آفاق الخلاص والإنقاذ من الكارثة الاقتصادية والمالية، والتصميم على بناء إرادة جامعة، تقود البلد الى مرحلة جديدة، وتفتح آفاق الخلاص والتطوّر أمام جميع اللبنانيين.

 

أولا: شكّل خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، الذي حصره في موضوعات الانهيار الاقتصادي وسبل التصدّي له وإنقاذ البلد والناس، وثيقة وطنية متكاملة، تستحق الدراسة والتقييم، جمعت بين دقة التشخيص العلمي لطبيعة المأزق الخطير، الذي يعيشه لبنان وبين تحديد الخيارات الوطنية، التي لا غنى عنها في سبيل إنقاذ البلد والناس من وطأة الانهيار. وقد أكد السيد على تصميم المقاومة بجميع مناضليها وجمهورها، وبما تمثّله في الحياة الوطنية ومعادلاتها السياسية والشعبية، على الرمي بثقلها في شقّ مسار جديد ينقل البلد الى برّ الأمان.

الخطاب كان بيانا من أجل الإنقاذ، ودعوة للتلاقي حول مشروع الخلاص، مع تأكيد تصميم المقاومة وقائدها على طرق جميع الخيارات والسبل والمسارات، التي قد تُضطر الى سلوكها لوقف الانهيار ولمنع الكارثة. وهذا عهد الشعب والوطن بحزب الله، الذي تحدّى المستحيل عندما قرّر قهر الآلة، التي قيل يوما أنها لا تُقهر، ومن خلفها وحوش الاستعمار الغربي، وكان في ظنّ الكثيرين أقرب الى المعجزة، ففركوا عيونهم، وما زالو مشدوهين بعظمة الإنجاز، وهم يجدون القوة التي قيل أنها لا تُقهر مع سيّدها المستعمر الغربي، تبدو ذليلة ومهزومة، يكتّفها الردع أمام البلد الصغير، لأن فيه هذا القائد وحشد من الشباب والكهول، الذين نذروا حياتهم وأرواحهم للدفاع عن وطنهم.

ثانيا: ما لا يعرفه الحلف الاستعماري الصهيوني عن السيد نصر الله ورفاقه، هو أنهم قوة ناضجة مسؤولة، تحظى بثقة شعبها ومجتمعها، وهي أيضا قوة نوّعت من خبراتها، ودرست جميع ملفات بلدها، لأنها منذورة لخلاص هذا البلد وشعبه، ويصل مجاهدوها الليل بالنهار لتحقيق النذور، التي كرّسوا شبابهم وكهولتهم من أجلها.

السيد نصر الله كرّس كلمته للكارثة الاقتصادية والمالية الخطيرة، وهو كعادته قدّم التشخيص العلمي الدقيق للأزمة ثم اقترح الأفكار والخيارات، التي تمثل دليلا منهجيا يُفضي الى الحلول الإنقاذية، متوّجا خطابه بندائه كالمعتاد الى شركاء الوطن، لبلورة إرادة مشتركة وحازمة حول ما اقترحه كرؤية ومشروع لإنقاذ لبنان وهو تخطى حدود التعامل مع الكارثة وحصر أضرارها الى فتح آفاق نهوض واعد للبلد اقتصاديا واجتماعيا، يمكن خلال السنوات القادمة، إذا توافرت الإرادة المطلوبة لتجسيده، أن يكون رافعة تاريخية لقيامة شاملة اقتصادية ومالية، ولنهضة تلبي آمال الأجيال وطموحاتها ببلد مزدهر قادر على النمو وغير خاضع للإملاءات والشروط والديون. فكسر حلقة الاستنزاف وفق المبادرة الكبرى، التي اقترحها السيد نصر الله، سيفضي الى مسار تراكمي لبناءٍ جديد، ولشراكات جديدة، يمكن الاعتماد عليها. وهذه الرؤية المتكاملة الاقتصادية تمثّل وثيقة استراتيجية، يجب أن يحفظ اللبنانيون بنودها وأن يعملوا لفرضها على الواقع السياسي كمشروع تاريخي، يحتوي الأزمات، وينهي الكارثة، لينهض من جديد بالاقتصاد الوطني، ويعيد الى لبنان ألقه الاقتصادي والحضاري بدلا من مواصلة الانحدار في هوة الاهتراء والتعفّن.

ثالثا: إن مشروع السيد نصر الله للنهوض بلبنان يتخطى حدود احتواء الكارثة ونتائجها الى فتح آفاق جديدة للتطور والنمو الاقتصادي، ومن غير وعود متضخّمة لأيٍّ كان. بل إنه كان مكاشفة واقعية بالمشكلات انطلاقا من تشخيصها العلمي، وتعيينا علميا ودقيقا لكيفية التعامل معها وإيجاد الحلول.

هذه الوثيقة الوطنية، التي تناولت حلّ المشكلات الاقتصادية الكارثية، تستحق الدراسة، وأن يجعلها جميع اللبنانيين، ولا سيما المشتغلين في الشأن العام السياسي والاقتصادي والمالي وسائر الخبرات الوطنية المعنية دليل عمل لهم. بل إنها تستحق أن تتحوّل الى ورقة عمل لمؤتمر وطني، يُدعى اليه جميع المعنيين من أحزاب ونقابات وخبراء، ليكون قاعدة الانطلاق الى وضع خطة شاملة للإنقاذ وإعادة البناء بعد إنهاء الكارثة. ويجب أن نسجّل للقائد نصر الله مجددا أنه حكيم الجمهورية وضميرها، ليس في الشأن الوطني فحسب، بل إنه في هذا الموضوع الاقتصادي والمالي، الذي ظنّ كثيرون أنه بعيد عن إلمام هذا القائد ومشاغله المضنية في يوميات إدارة الصراع مع عدو لئيم ومدجّج  بأحدث أدوات الحرب، وتدعمه الآلة الإمبراطورية الأميركية والغربية. ولكن السيد نصر الله يثبت من جديد درجة ارتباطه بشعبه وبآلامه وهمومه، وارتقاءه المتوثّب الى مستويات متقدّمة من الإبداع والتدقيق العلمي في رسم المخارج والحلول واقتراح المبادرات. وخطابه الاقتصادي والمالي يوم أمس هو نداء وبيان علمي تاريخي، يفتح أبواب حلّ الأزمة وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، ويضرب للبنانيين موعدا مع نهضة مستحقة من كارثة ساحقة.

المطلوب اليوم هو العمل والمبادرة في جميع الاتجاهات لتجسيد هذه الخطة الإنقاذية وعدم هدر الوقت في مماحكات لا طائل منها. ونداؤنا الى الجميع قادة وزعماء وجمهورا، فالبلد يستحق عليكم ومنكم تلبية عاجلة لنداء الخلاص، نداء نصر الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى