بقلم غالب قنديل

التكتل المشرقي والمبادرة اللبنانية

 

غالب قنديل

تمثّل الجمهورية الإسلامية الإيرانية قوة إقليمية ذات إمكانات كبيرة. وهي تبدي استعدادا متواصلا لتطوير الشراكات مع جوارها المشرقي. ولكن الضغوط الأميركية والغربية تقف حائلا أمام تجاوب الحكومات العربية، التي يحكم بعضها نهج العداء والاستفزاز بفعل انحيازها للمعسكر الأميركي – الغربي. في حين تنفرد سورية والعراق واليمن بإقامة علاقات اقتصادية وسياسية. بينما يساير لبنان دول الغرب ويحجم عن التجاوب الجدي مع الاستعداد الإيراني المفتوح لتطوير العلاقات.

أولا: في ظل الضائقة الاقتصادية الكبيرة والخانقة، ومع الجائحة الوبائية الضاغطة على جميع دول العالم، تحتاج الدول الكبيرة والصغيرة على السواء، الى تطوير الشراكات الممكنة والمحتملة، واستكشاف الفرص في الدول القريبة والبعيدة جغرافيا، والى جسّ النبض السياسي لاستعداد الحكومات لإقامة أشكال من التعاون، التي تشتدّ الحاجة اليها في أزمنة الضيق والأزمات. واللافت في هذا المجال أن العلاقات اللبنانية الإيرانية لم تتخط نطاق المجاملات بين الدول الصديقة، رغم القابلية العالية، التي تبديها طهران لمدّ يد العون للبنان، ولإقامة أوسع شراكات ممكنة. وهذا الاستعداد الإيراني يقابله، وبالحرارة نفسها، استعداد عراقي وسوري، تعبّر عنه وتائر التجاوب مع الطلبات اللبنانية ودرجة التعاون، وتبرهن عليها كلٌّ من دمشق وبغداد في التفاعل مع أيّ مبادرة لبنانية.

للأسف يُلاحَظ أن لبنان لم يأخذ أي مبادرة لملاقاة هذه الاستعدادات، مع أنه صاحب الحاجة الى إقامة جسور شراكة وتعاون مع هذا الجوار المشرقي في الضائقة الخانقة اقتصاديا التي يستغرق فيها لبنان، وهو معها أحوج ما يكون الى التنسيق مع هؤلاء الأشقاء، الذين يبدون الاستعداد للتعاون وللشراكة، ولديهم قدرات وإمكانات يحتاجها بلدنا المستنزف في توفيرفرص احتواء المشاكل بالاستناد الى شراكات موثوقة.

ثانيا: إن علاقات الأخوة مع إيران وسورية والعراق تمثّل الردّ الطبيعي على التحديات الراهنة اقتصاديا وسياسيا، ولا مبرّر على الإطلاق للإحجام عن قيام لبنان بمبادرة لإطلاق مسار جديد في علاقات التنسيق والتعاون بين بلدان المنطقة، لمواجهة أخطار وتهديات مشتركة سياسية واقتصادية وصحية، تستدعي تنسيقا بين الدول المتجاورة بداهةً.

إن الفرص التي يتيحها التعاون المشرقي كبيرة وعظيمة، وهي تسمح للاقتصاد اللبناني بأن يضاعف حجمه وينهض بجميع قطاعاته لأداء دور إقليمي مع الأشقاء في العراق وإيران وسورية، ستكون من نتائجه الفعلية والمباشرة حالة نهوض تضاعف الإمكانات اللبنانية وتوفّر مجالات رحبة أمام المنتجات والكفاءات الوطنية في سوق المشرق الإيراني – العراقي – السوري. ومن الجنون والعبث، في ظروف الضائقة الخانقة والركود القاتل، أن يدير لبنان ظهره لمثل هذه الفرصة، التي هو أحوج الدول اليها، قياسا الى حجم الشراكات والإمكانات المتوافرة لدى سورية والعراق وإيران، التي تمتلك بنى اقتصادينة متينة وراسخة، تقوم على الإنتاج وشراكات ضخمة عالميا وإقليميا، على النقيض من لبنان المنهك، والذي يعيش أزمة شديدة الوطأة.

ثالثا: إن المصلحة اللبنانية تفترض بلورة مبادرة عاجلة اتجاه هذه الدول الشقيقة. وعلى السلطات اللبنانية أن توجّه الدعوات للتشاور الثنائي مع الأشقاء لوضع جدول أعمال حول موضوعات التعاون الثنائي والجماعي، الذي يُفترض بحثة بصورة مشتركة بين إيران والعراق وسورية ولبنان. وهذا الأمر بات أكثر من ملح، مع ظروف الأزمة الاقتصادية الضاغطة على جميع اللبنانيين، وفي ظل الاستنزاف الكبير اللاحق بالاقتصاد اللبناني. وفرص النهوض مجددا متاحة وحاضرة من خلال تكتل مشرقي مع الأشقاء يوسّع من حجم السوق، ويضاعف الإمكانات والفرص أمام الاقتصاد اللبناني. وهذا هو السبيل لوقف تداعيات الأزمة الخطيرة، والانطلاق الى مرحلة جديدة، تشهد نموا حقيقيا للاقتصاد والثروة.

إن زمن الجائحة لا ينبغي أن يعطّل التواصل الثنائي مع الأشقاء في طهران وبغداد ودمشق. ويمكن استثماره في اتصالات تمهيدية تبلور الأوراق المشتركة وخطوط التعاون الممكن ثنائيا وجماعيا. فمكان لبنان بخبراته الوافرة وإمكاناته المتواضعة هو في قلب تكتّل مشرقي، يتيح فرص النمو لجميع القطاعات الاقتصادية الحية في البلد، وخصوصا للصناعة والزراعة. وستكون السوق المشرقية والحال، مجالا رحبا لاستثمار القدرات والمزايا المتبادلة بين بلداننا، ولبناء قوة اقتصادية إقليمية، تمتلك موقعا تفاوضيا جيدا مع سائر دول العالم وتكتلاته الاقتصادية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى