بقلم غالب قنديل

الشراكة مع سورية حاجة لبنانية

غالب قنديل

تقول الحقيقة الجغرافية والسياسية والاقتصادية إن سورية ولبنان محكومان بضرورة إقامة نَسَق من الشراكات الاقتصادية والدفاع المشترك في وجه التحديات التي تفرض الارتقاء بالشراكة بينهما وفي مواجهة العدوان الصهيوني والتهديد الدائم الناجم عنه لكلي البلدين. ولكنّ هذه الحقيقة مسكوت عنها في دمشق مراعاة لخواطر جهات لبنانية، عارضت دائما أيّ تطوّر في العلاقة اللبنانية – السورية، حتى لو كان ذلك تعزيزا لمناعة لبنان الدفاعية في وجه الخطر الصهيوني.

 

أولا: وقائع الجغرافيا والتاريخ تُظهر أن حماية لبنان من التهديد الصهيوني هي حاجة وضرورة سيادية. وليس الكلام عن هذا الموضوع مُختَلقا لتبرير التعاون مع الشقيقة سورية في توفير مستلزمات السيادة الوطنية، بل هو نتيجة طبيعية للضرورات، التي تفرضها حقائق الجغرافيا والتوازنات العسكرية في المنطقة، وحاجات لبنان لحماية نفسه من غدر عدو نفترض أن غالبية القوى السياسية تعترف بكونه يُضمر الشرَّ للبلد ويتربّص بنا للاعتداء على بلدنا ومرافقه الاقتصادية والحيوية ساعة يستطيع ذلك. ولولا المقاومة وقدراتها الدفاعية والردعية لظلّ لبنان حقلاً مفتوحاً لنشاط الجيش الصهيوني برّاً وبحراً وجواً. وهذه حقيقة لا يعترف بها بعض اللبنانيين، الذين يزورون الوقائع، ويرسمون صورة معكوسة بافتراض أن وجود المقاومة وقدرتها العسكرية، هو مصدر للخطر الصهيوني. وفي ذلك تبرئة خبيثة لكيان العدو من حقيقة كونه معقلاً للعدوان وللغطرسة وللافتراء.

لبنان في وضع دفاعي حتى مع ذروة تعاظم قدرات المقاومة. وهو ليس في وضع هجومي يبادر فيه لضرب الكيان وشنّ هجمات عسكرية. لكنّ هذا اللبنان، الذي يلتزم الوضعية والجاهزية الدفاعية، تبلورت في شعبه قوة سياسية هي حزب الله، تنهض بأعباء ردع العدو، الذي يخشى الصدام معها، ويتحسّب لخسائر الاشتباك والعدوان. وهذه القدرة هي التي حرّرت الأرض اللبنانية من الاحتلال وفرضت توازناً جديداً وحقائق سياسية نوعية، يعرفها الصغير والكبير على أرض الجنوب اللبناني المزروعة بالشهداء، الذين رووها بدمائهم وحرّروها وفرضوا معادلة جديدة مع عدو لئيم وغادر.

ثانيا: إن من واجب أي لبنانية أو لبناني التصرّف على أساس هذه الحقيقة. وما يتمناه أيُّ وطنيٍّ مخلص، هو أن يبلغ جيشنا اللبناني من القدرة والقوة ما يتيح له تعميق توازن الردع وتعزيزه، بعد ما أسسته المقاومة في هذا المجال. ولكنّ الانقسامات السياسية الداخلية، ووجود جهات لبنانية فاعلة ترتبط بالغرب وغيره، ترفض اعتبار احتضان المقاومة وتعزيزها مناعة وقوة لحماية السيادة والاستقلال. وهذه الأطراف تعطّل حتى اليوم أيّ إمكانية للتنسيق الدفاعي بين سورية ولبنان في مواجهة عدوٍ مشترك يستهدف البلدين الشقيقين. ويكفي أن يكون التعاون بمدّ فاعلية منظومة الدفاع الجوي السوري الى الأجواء اللبنانية تحوّلاً نوعياً حاسماً في معادلة القوة، وحمايةً كاملةً للبنان الى جانب الردع الصاروخي، الذي يمثّله اقتدار حزب الله في الدفاع عن السيادة اللبنانية.

إن تردّد الحكومات اللبنانية المتعاقبة في طرق هذا الباب وتطوير الشراكة مع الشقيقة سورية لمصلحة لبنان، هو انعكاس لمشيئة الغرب الاستعماري ولمنطق بعض الساسة اللبنانيين، الذين يهابون الاحتكاك بالمشيئة الأميركية – الغربية الغاشمة حتى لو كان الموضوع تعزيزاً لمعادلات الدفاع الوطني وحمايةً للسيادة اللبنانية.

ثالثا: منذ توقيع معاهدة الأخوة والتعاون اللبنانية – السورية ظلّ موضوع التعاون الدفاعي بين البلدين معلّقا دون أيّ بحث جدّي. ولبنان هو أحوج ما يكون لترتيبات عملية، تعزّز إمكاناته وقدراته في الدفاع عن سيادته. لكنّ الخشية من الغضب الغربي والأميركي، هي التي حالت دون ترجمة المعاهدة الموقّعة بين الدولتين بصيغةٍ للتعاون الدفاعي، تحمي السيادة اللبنانية من الغطرسة الصهيونية، التي تفرض على البلد نزيفاً بشرياً واقتصادياً ومالياً، هو أحوج ما يكون لمنعه وقطع الطريق على استمراره.

إن تطوير تطبيقات معاهدة الأخوة اللبنانية – السورية، وتوسيع نطاق التعاون بين البلدين اقتصادياً وفي جميع المجالات، هو حاجة حيوية للبنان في ظروف أزمته الحاضرة. ومن هنا يتبيّن أن ملف العلاقات اللبنانية – السورية يجب أن يوضع عاجلا على الطاولة، وأن المعاهدة الموقّعة بين البلدين تستدعي استكمال تنفيذها، وتطويرها بما يواكب الحاجات المستجدّة. ولا مبرّر أو عذر للاستغراق في حالة السكون على خط التواصل اللبناني – السوري مهما كانت الذرائع. فمن المخجل أن تكون الاجتماعات الثنائية شبه معلّقة، والاتصالات  الثنائية بين الحكومتين كذلك. ويجب أن يُسأل المعنيون في بيروت ودمشق عن آخر جلسة حوار وتنسيق عُقدت، وناقشت جدول أعمال جدّي يعني البلدين والشعبين. ومما يؤسف له أن يكون الأشقاء السوريون جاهزين باستمرار لملاقاة أيّ بادرة أو قابلية لبنانية للتجاوب، بينما لبنان صاحب المصلحة الأكبر في توسيع نطاق التعاون، وتنشيط التنسيق الاقتصادي والدفاعي والسياسي بين البلدين، لا يأخذ أي مبادرة نحو دمشق. وتكتفي السلطات اللبنانية بخطوط المتابعة الروتينية للعلاقة الثنائية. وهذا بذاته نقيصة خطيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى