بقلم غالب قنديل

التحالف المطلوب لإسقاط العدوان الاستعماري

غالب قنديل

تستمر حملة الخراب الكبير، التي أطلقتها الولايات المتحدة في شرقنا العربي، وتتواصل فصولا، حروبا وقتلا وتدميرا بواسطة عصابات التكفير الإرهابي والحصار الاقتصادي ومنظومة العقوبات المتنقلة.

 

أولا: الغاية الأميركية المكشوفة من خلف تحريك حلف العدوان لتخريب المنطقة، هي التدمير وزرع مزيد من العوائق والعقبات، التي تمنع نهوض البلاد المستهدفة، وتعيق تعافيها. وبالتالي، فالحروب الفاشلة يعقبها استنزاف طويل وحصار متواصل وتصميم أميركي على عدم انكفاء قوى العدوان. وهذا أمر ينطبق بشدة على واقع الحال في الشرق العربي، حيث لا تزال الجراح المفتوحة، بعد حروب كبرى، تثير استنزافا مستمرا للثروة وللاقتصاد، وتقيم حواجز مانعة للتعافي مع منظومة العقوبات الضارية والحصار الخانق. وهذا ما يفرض على بلداننا المحاصرة أن تتصدى للعدوان الاستعماري بإمكاناتها الذاتية مع بعض التحالفات، التي لا تغني عن الطاقات الوطنية، ونادرا ما ترفدها واقعيا بما يحقّق كفاية، تتخطى بها حدود الدعم من موقع الشراكة الاستراتيجية.

تحت الحصار، ومع العقوبات، وفي ظل صمت وتواطؤ كبيرين عالميا وإقليميا، تتلمّس دولة مشرقية كبرى كسورية مسار صمودها في وجه الحصار والعدوان، متّكلة على إمكاناتها الذاتية وبعض الشراكات الاستراتيجية، التي يُعوّل عليها.

ثانيا: تؤكد التجربة حقيقة أن الصراع ضد الهيمنة الاستعمارية مستمر ومفتوح، ولم يحسمه، كما توهم كثيرون، قيام الدول الوطنية المستقلة، التي استُهدفت بالحصار والعقوبات وبالاستنزاف السياسي والعسكري، وتساقط بعضها أمام شراسة الضغوط الاستعمارية السياسية والاقتصادية والعسكرية. والأمثلة كثيرة في بلادنا العربية خلال العقود الماضية، حيث خُنِقت وضُرِبت جميع صروح الاستقلال والتحرّر، وتجدّدت الغزوات الاستعمارية الصهيونية لاستنزاف إرادة الاستقلال والقضاء عليها، وبعودة أشكال متجددة للاستعمار القديم والمتحوّل، الذي يلقي بظله الثقيل على أكثر من بلد عربي، حيث تتحكم جهات أجنبية مُحكَمة الربط بأخطبوط الاستعمار الغربي وتحالف الشركات النهّابة للثروات والموارد في أبشع عملية نهب لصوصية، يشهدها العصر. وقد تحوّلت بذلك بلداننا الى مستعمرات، رغم امتلاكها لأعلام وأناشيد وطنية، وتمسّكها بمظاهر وعلائم، تتحصّن بها لتزعم أنها دول مستقلة. فواقع الحال أننا نواجه استعمارا فظّا وشرسا لبلداننا ولمنطقتنا، يجعل حياة الأحرار شديدة الصعوبة وعالية الكلفة.

هذا الواقع يدعو الى اعتماد حركات الاستقلال والتحرّر والقوى الوطنية على إمكانات ذاتية في النضال لإسقاط النير الاستعماري والنهب اللصوصي، وهو ما يقتضي امتلاك إرادة صلبة ومشروعا تحرّريا قادرا على استنهاض الإمكانات الشعبية وحشدها في المعركة التاريخية، التي يستحيل كسبها بدون توحيد الجهود، ونسج التحالفات لحشد المزيد من القدرات والإمكانات في وجه التكالب الاستعماري.

ثالثا: إن الفكرة التي ينبغي التأكيد عليها هي تحالف ووحدة قوى التحرّر العربية وصولا الى قيام جبهة عربية مناهضة للاستعمار وللصهيونية. وما ينبغي تأكيده بالمناسبة هو أن صيغ التعاون وتبادل الخبرات والدعم، التي لم ترق أبدا الى صيغة جبهوية حقيقية، تحمل برنامجا سياسيا وهيكلية واحدة عابرة للحدود، ليست في مستوى التحديات المصيرية التي يفرضها التكالب الاستعماري الصهيوني الرجعي.

إن ما ندعو اليه، بكل وضوح، هو قيام جبهة تحرّرية في الوطن العربي، تضم سائر الحكومات والحركات الوطنية والقومية المناضلة من أجل الاستقلال، وتخطّط لإنجاز التحرّر من الهيمنة، ولقيام شكل من الوحدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية المكرّسة بمؤسسات مشتركة عابرة للحدود. وهذا هو التتويج الفعلي للتضحيات، التي قدمها محور المقاومة، ليعوّض غياب الأشكال الأرقى من التحالف والعمل الجبهوي بين بلداننا. فالمعركة الواحدة، التي تفرض نفسها على هذه البلدان في المشرق العربي، تقتضي أداة تنظيمية مشتركة ومؤسسات جبهوية قادرة على إدارة الصراع، تضم سائر الحلفاء من حركات وحكومات.

إن الانتقال الى إطار منظّم يجمع سورية واليمن والقوى التحرّرية في فلسطين والعراق ولبنان وسائر حركات المقاومة المناهضة للحلف الاستعماري الصهيوني، هو الهدف الذي يجب أن يعمل عليه الأحرار، وأن يتحرّكوا فكريا وثقافيا وسياسيا لبلورته في مؤسسات، والعمل لترسيخ التحالف والشراكة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لخوض معركة تحرّر الشرق، وتوحيد سائر الجهود والإمكانات في هذه المعركة. وهذا يقتضي انتقالا من شكل التحالف والتنظيم، الذي أثبت فاعليته في المراحل السابقة، وبات الارتقاء به الى مرحلة جديدة، هو التحدّي، الذي يواجه محور المقاومة بجميع أطرافه.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى