بقلم غالب قنديل

نموذج حزب الله وسورية المقاوِمة

 

 

غالب قنديل

ما يمثّله سماحة السيد حسن نصر الله قائد المقاومة من مرجعية فكرية لقوى التحرّر في المنطقة العربية، هو ظاهرة تاريخية تستحق الدراسة. ويجب وضعها في الاعتبار عند تحليل الأحداث الإقليمية والتطورات على مستوى أي بلد من بلدان المنطقة بمفرده.

 

أولا: ما عرضه سماحة السيد حسن نصر الله في رؤيته للتطورات الإقليمية مؤخرا ينطلق من مبدأ وحدة الصراع، الذي تخوضه شعوبنا وبلداننا ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية. وهو أمر تكفّل قائد المقاومة بالبرهنة عليه وعرض الترابط الوجودي بين معارك الأقطار العربية للتخلّص من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، ولتحقيق مناعة وطنية وقومية في وجه هذه الهيمنة، وبلورة مشروع تحرّر اقتصادي واجتماعي لبلداننا، يحقّق المصالح الوطنية للجماهير العربية، ويفتح أبواب التنمية والاستقلال والبناء الاقتصادي الوطني المحرّر من النهب الاستعماري للثروات، ومن الهيمنة اللصوصية على الأسواق في مختلف بلدان المشرق العربي.

إن هذا المنطق والتصوّر البارزين في خطاب السيد نصر الله يلتقيان مع المشاريع التحرّرية في بلدان عربية أخرى، تقاوم الغزوة الاستعمارية، وتتشارك مع المقاومة اللبنانية ومع إيران خيار الصمود والنضال لإسقاط الهيمنة والنهب. وهذا ما تجسّده بصورة نموذجية علاقة الشقيقة سورية بسائر أطراف محور المقاومة. ودور القلعة السورية الداعم لحركات المقاومة، والشراكة بين دمشق وطهران في جميع المجالات هي عماد الخيار التحرّري والاستقلالي منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران وقيام الجمهورية الإسلامية، بحيث تحوّلت الشراكة بينها وبين الجمهورية العربية السورية الى تكتّل يزداد قوة وصلابة، وشراكة كاملة عابرة للقوميات والجغرافيا في رفع راية التحرّر الوطني والبناء المستقل بعد التخلّص من نير الهيمنة الاستعمارية ونهبها.

ثانيا: ما تحققه اليوم الشراكة السورية – الإيرانية في بلدان المنطقة من خلال احتضان قوى الاستقلال والتحرّر، يجعل منها رافعة، تمثّل فيها إيران سندا لا غني عنه في التحرر من الهيمنة، وفي مقاتلة العدوان الاستعماري ومنعه من تحقيق أهدافه. والشراكة الإيرانية – السورية في هذا الخيار هي رافعة تاريخية لتحرّر الوطن العربي ولإعادة بناء جميع البلدان العاصية على المشيئة الاستعمارية، والتي تخوض غمار البناء الاقتصادي على قاعدة الاستقلال والمقاومة واحتضان جميع قوى التحرّر المقاتلة ضد الهيمنة. وما تقدّمه حركات المقاومة، وفي طليعتها حزب الله، يمثّل نموذجا ملهما لجميع قوى التحرّر العربية الصاعدة في سائر البلدان العربية. فحزب الله هو نموذج وقدوة لجميع الأحرار في البلاد العربية وفي العالم الثالث في تكوينه الفكري والثقافي وسلوكه السياسي، الذي يضع قضية التحرّر والتماسك الشعبي والوطني في خندق النضال كركيزة حاسمة لمسيرته، تقوم على أولوية التحرّر الوطني وإنجاز البناء الاستقلالي لبلداننا بضرب ركائز الهيمنة والنهب وإنجاز معركة الاستقلال والتحرّر. ويدرك حزب الله في هذا المجال الترابط التاريخي لعملية التحرّر في بلداننا، بحيث يبدو مستحيلا تحقيق الإنجاز الاستقلالي الوطني في بلد بمفرده بمعزل عن البلدان الأخرى، ولذلك لا يضير حزب الله أن ينتقل بخبراته وبجهوده الى الانغماس بمعركة الدفاع عن سورية، التي سبق أن قدّمت الكثير لنصرة المقاومة في لبنان منذ انطلاقها، ولا في شراكة الحزب بملحمة الدفاع عن اليمن. فثقافة حزب الله حول وحدة الصراع ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وترابط الساحات والبلدان، هي ركيزة نظرية تحرّرية عربية مشرقية جديدة، فيها أمل المستقبل للملايين المتعطشة الى التحرّر والتنمية.

ثالثا: إن الأهمية التي تعطيها عقيدة حزب الله لفكرة المقاومة وإسقاط الهيمنة وترابط الساحات وتحرير فلسطين تمثّل نظرية متكاملة عن فكرة التحرّر العربي. وقد قدّم حزب الله منذ انطلاقته تجربة مميزة بتحالفه مع سورية وإيران، تجعل منه اليوم طليعة حركة التحرّر العربية بالشراكة مع رفاق السلاح والخنادق في القلعة السورية ومع المقاومة الفلسطينية. إن هذا المخاض التاريخي الذي يشهده المشرق العربي، يؤسس لمرحلة جديدة لن يطول انتظارها، وهي ستحمل معها بشائر الغد الجديد بإسقاط الهيمنة الاستعمارية وإعادة البناء الوطني والقومي لبلداننا، محرّرة من اللصوصية الغربية والقهر الاستعماري الصهيوني. والتلاحم الحاصل بين الشقيقة سورية بقيادتها وجيشها ودولتها الوطنية المقاومة من جهة وبين حزب الله من جهة ثانية، هو جسر العبور التاريخي الى شرق جديد محرّر من النهب الاستعماري وجميع أشكال الاحتلال والهيمنة الغربية، وهو العتبة التاريخية المؤدية واقعيا الى تحرير فلسطين، وتفعيل مجالات النضال التحرّري في سائر البلدان العربية، بقوة العدوى الثورية، وبفعالية النموذج الاجتماعي، الذي تسعى قوى التحرّر لبنائه في بلدانها. وما قدّمه حزب الله في تجربته التاريخية من احترام للقيم وللتنوع الاجتماعي والديني، يعبّر عن صورة ما تطمح اليه مجتمعاتنا بعد التخلّص من الهيمنة، وهذه القيم حاضرة وبقوة في ثقافة الرئيس الأسد ومشروعه التحرّري القومي، وهي مساحة من الشراكة الفكرية السياسية الجذرية بين سورية وحزب الله. وهذا ما ندعو الى دراسته بعمق، والتأمّل فيه كنموذج لوحدة العمل من خارج الأفكار المسبقة والتعليب التسويقي، الذي استغرقت فيه حركة التحرّر العربية منذ مطلع القرن العشرين، فاستُغرقت في التناحر العقائدي بدلا من نعمة التنوّع الفكري، ووحدة التوجّه البرنامجي، لحل معضلات التطور والتنمية والاستقلال، وتصفية الإرث الاستعماري في بلداننا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى