بقلم غالب قنديل

بلادة الاستجابة اللبنانية للفرص

غالب قنديل

وأخيرا تحركت السلطات اللبنانية نحو الفرصة العراقية، التي أهملتها طويلا. بينما تحرُّكها نفسه ناقص لا يغطّي بنود جدول الأعمال المحتمل للتعاون الممكن والمثمر بين البلدين في ظروف شدة وعوز يعيشها لبنان، وهي مرشحة للتفاقم والتوسّع.

 

أولا: لقد اقترحت شخصيا، وفي هذه الزاوية بالذات، ومنذ أكثر من خمس سنوات قيام الحكومة اللبنانية بالتفاوض المباشر مع العراق الشقيق لتلبية حاجات لبنان من المشتقات النفطية وتيسير فرصة موازية في تسويق المنتجات اللبنانية، التي يحتاجها الأشقاء العراقيون، بل وإمكانية التفكير والتفاوض على مشاريع مشتركة صناعية وزراعية بين لبنان والعراق. ولكن، صُمّت الآذان واُقفلت العيون خشية الغضب الأميركي والغربي، وفق ما زعم رافضو الفكرة من المسؤولين، الذين طمسوا أمام الشعب اللبناني حقيقة أن دولا عديدة في المنطقة وخارجها تتنافس على الشراكة الممكنة مع الأشقاء العراقيين. ولكن سكرة الريوع واستئناس الحكومات المتعاقبة في بلدنا بالرضى الأميركي عّطلت أيّ خطوة جدية.

ينبغي القول هنا أن الأشقاء العراقيين أبدوا استعدادا كبيرا لكل شراكة ممكنة مع لبنان، ولكن التقصير كان لبنانيا. وما يوصف اليوم بأنه طاقة الفرج بعد الجهود والمبادرات، التي فتحت أبواب التعاون مع العراق، كان ممكنا قبل سنوات. ولم يُبذل أيّ جهد حقيقي، رغم الدعوات المتكررة من جهات لبنانية عديدة في مقدمتها حزب الله لإيلاء اهتمام خاص للشراكة مع العراق، بل ونُقلت عروض واحتمالات اتفاق سخية الى المسؤولين، الذين أداروا ظهورهم لهذه الفرص ولم يلتقطوها.

ثانيا: الشراكة اللبنانية – العراقية تُعتبر من الخصائص التقليدية المتوارَثة في الاقتصاد اللبناني، وفي علاقات لبنان العربية. ومرّت عهود كان فيها العراق الشريك التجاري الأول للبنان، والمصدر الرئيسي للعملة الصعبة في حركة لبنان التجارية مع المحيط العربي. والمرحلة الحاضرة التي يعيشها العراق على الصعيد الاقتصادي تفتح آفاقا واسعة لكل أنواع الشراكة ماليا وتجاريا وصناعيا وزراعيا. فالعراق هو شريك تاريخي للبنان اقتصاديا، ولكن أيا من المسؤولين اللبنانيين لم يكلّف نفسه طيلة السنوات الماضية بدراسة الفرص المتوافرة في العلاقة اللبنانية – العراقية، رغم انفتاح الأشقاء في العراق ورغبة العديد منهم في تطوير هذه العلاقات والارتقاء بالشراكات الممكنة في جميع المجالات. 

إن كثيرا من المنتجات اللبنانية الصناعية والزراعية كانت دائما تتقدم قائمة المستورَدات العراقية. بينما يحتاج لبنان الى استيراد النفط، وهو أمر يوفّر، أيّا كانت صيغة التبادل مع العراق، كلفة هائلة كانت الحكومات المتعاقبة قادرة على رصدها لمشاريع إنتاجية، تسهم في تطوير الدخل الوطني وخلق فرص العمل.

ثالثا: لقد قصّرت الحكومات المتعاقبة، بدون استثناء، في إجراء أيّ بحث جدي حول مجالات تطوير التعاون اللبناني – العراقي. هذا مع العلم أن الإخوة العراقيين أقبلوا بكل حماس، ومنذ تحرير العراق، على فتح قنوات التواصل الثنائي، واستعادوا حركة الشراكة التجارية والمصرفية بين البلدين. أما في بيروت فكانت الآذان صمّاء والعيون عمياء، ولم تبادر أيٌّ من الحكومات المتعاقبة الى تقديم مقترح أو فكرة ذات شأن لتطوير الشراكة بين البلدين. بل إن كثيرا من الفضائح المتصلة بعقلية الابتزاز والسرقة كتمها الأشقاء العراقيون، وكتموا مرارة التعامل بهذه الطريقة من قبل سماسرة التعاون الثنائي. وهذا ما أدى الى لجم الاندفاعة العراقية حول لبنان خشية الوقوع ضحية متصيدي الفرص من سماسرة الحواشي. وهو ما يحمل مسؤولية الفشل الكبير في التقاط لبنان الرسمي لفرص الانفتاح والحماس من جانب الإخوة العراقيين، الذين اُحبطوا بكل صراحة.

إن أهمية العراق كشريك تجاري ليست الميزة الوحيدة التي تلاقي مصلحة لبنان. بل إن كثيرا من الاستعدادات العراقية لتطوير التعاون الاقتصادي في مجالات صناعية وتجارية وزراعية سبق أن طُرحت ولم تلاقِ اهتماما أو إصغاء من المسؤولين عندنا. وبكل صراحة نقول إن الحكومات المتعاقبة في بيروت فوّتت فرصا ثمينة لتطوير الشراكة اللبنانية – العراقية، وأحبطت الأشقاء العراقيين.

اليوم يبدو لبنان بأمس الحاجة لالتقاط الفرصة العراقية وإحيائها، وهي مرشّحة للتطور والتقدّم، ويمكن أن تكون موردا فعليا لتطوّر الاقتصاد اللبناني ونهوضه من الهوّة السحيقة التي يغرق فيها.

المبادرة مطلوبة من لبنان. وما قام به اللواء عباس ابراهيم يفتح الطريق، وعلى الحكومة اللبنانية أن تبني عليه.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى