بقلم غالب قنديل

لغتنا العربية وواجبات إعلامنا

غالب قنديل

رغم الكثير من الهِنات والسقطات التي تعتور الأداء الإعلامي في لبنان، إلا أن حقائق الاجتماع والثقافة فرضت نفسها في المشهد الإعلامي اللبناني، لجهة تكريس الهوية العربية واللغة العربية، رغم الإنكار الإيديولوجي والسياسي العقيم، الذي يحمل نزعة متخلّفة ومريضة سياسيا، تقوم على العداء للعروبة.

 

أولا: كرّس قانون الإعلام المرئي والمسموع في لبنان واجبات الوسائل الإعلامية المرخّصة بتنمية اللغة العربية والثقافة العربية. وجاءت الممارسة الواقعية مختلّة في مضمونها. فقد حاولت بعض الوسائل التي رُخِّصت تهميش اللغة العربية الفصحى، واستبدالها باللهجة العامية المحكية تحت عنوان مسايرة الجمهور.

هكذا تخلّت هذه الوسائل عن موجب حضاري وثقافي وقانوني، يُفترض بوسائل الإعلام الحديثة أن تنهض به، ولا سيما أن قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم 382/94 الذي حصلت بموجبه المؤسسات على الترخيص، قد ألزم الوسائل برعاية اللغة العربية والثقافة العربية، تأكيدا لهوية لبنان كما كرّسها الدستور، بعد اتفاق الوفاق الوطني، وكما جسّدتها التجربة التاريخية الثقافية والأدبية في لبنان، الذي قدّم في زمن الاستعمار العثماني والانتداب الفرنسي من بين أبنائه روادا كبارا خاضوا المعركة القومية العربية دفاعا عن اللغة، وساهوا في تحديث اللغة العربية ونشرها قوميا وعالميا.

ثانيا: إن اللغة العربية تتعرض لمخاطر عديدة، يتبدّى بعضها من خلال وسائل الإعلام المرئي والمسموع، التي يتهدّدها اكتساح اللهجات المحكية خلافا للقانون ولدفاتر الشروط، التي ربطت عمل الإعلام المرئي والمسموع بالتزامها باللغة العربية وبتنمية الثقافة العربية. وهذا التزام ليس مجسدا كما ينبغي، وفقا لما تقتضيه معركة الدفاع عن هوية لبنان، أو ما يعبّر عنه النص القانوني الذي يَفترض أن تحمل برامج الإعلام المرئي والمسموع العامة مواد مكرّسة للثقافة العربية واللغة العربية، وأن يكون ما يحمله الأثير معبَّرا عنه بلغة عربية سليمة، تعزّز الهوية والانتماء.

لقد قصّر جميع المعنيين بمتابعة الأداء الإعلامي، منذ صدور قانون الإعلام، في رعاية هذا الوجه من وجوه الممارسة الإعلامية. وهو أمر يستدعي المبادرة لنقاش عميق، يشترك فيه أهل الإعلام المرئي والمسموع مع وزارتي الإعلام والثقافة والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، حول ما ينبغي القيام به في سبيل تنمية اللغة العربية والثقافة العربية عبر الإعلام اللبناني المرئي والمسموع والإلكتروني والمطبوع.

ثالثا: إن هذه القضية هي قضية وطنية وقومية، تتصل بريادة لبنان ورسالته الحضارية في محيطه العربي. وهذا يفترض تحرّكا يقوده المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، ويشترك فيه خبراء وإعلاميون، بل إنه يَفترض صيغة دائمة لجمع الخبراء الإعلاميين ورواد الثقافة واللغة، لمراكمة الخبرات المتصلة باللغة الإعلامية، وكيفية إثراء الثقافة العربية في الإعلام المرئي والمسموع، واستخراج الدروس من التجربة المهنية الغنية في لبنان. وإذا توافرت الفرص، الشراكة مع الأشقاء العرب في إغناء التجربة، وتبادل الخبرات، ومراكمتها على الصعيد الإعلامي.

إن من واجب لبنان أن يتقدّم الصفوف في هذه المهمة، تأكيدا لدوره الريادي والتاريخي، الذي سطّره لبنانيون، تقدّموا صفوف الأشقاء العرب، الذين حملوا راية الدفاع عن اللغة العربية في وجه حملة التتريك العثمانية، ثم سطّروا الصفحات الخالدة للنهضة العربية، وعبّروا عن حرارة الانتماء الى القومية، رافعين راية النهضة، التي كانت رسالة حشد من الأدباء والكتّاب اللبنانيين واللبنانيات في لبنان والمهجر. وهذا ميراث وطني وقومي يجب أن يتمسك به الإعلام اللبناني، وأن يستلهمه الإعلاميات والإعلاميون في لبنان دفاعا عن الهوية العربية والثقافة العربية. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى