بقلم غالب قنديل

لبنان والتحديات المستقبلية

 

غالب قنديل

يواجه لبنان أخطارا كبيرة ترتبط بضغوط محور الهيمنة الأميركية – الصهيونية التي تستهدف القضاء على البيئة الداعمة للمقاومة، وتشتيت الشبكة الشعبية الوطنية التي تستند اليها. وفي هذه المواجهة تتصدى للعدو ومشاريعه مجموعة من القوى والأطراف الوطنية، المتحصّنة في مواقع متفرقة من غير ناظم مشترك يوحّد جهودها.

 

أولا: الصراع الذي يخوضه لبنان في التصدي للحلف الأميركي – الصهيوني وضغوطه وحروبه المحتملة الواقفة على الأبواب، يستدعي نقلة جديدة في أشكال المجابهة والمقاومة على الصعيدين البرنامجي والتنظيمي. فالمراحل الجديدة التي يدخل اليها الاستقطاب الكبير في المنطقة لم تعد تنسجم مع أساليب العمل التي اختُبرت في المراحل السابقة، وهي تتطلّب نقلة نوعية في تنظيم المقاومة والاعتراض سياسيا وعمليا، كما تقتضي أشكالا وتكتيكات جديدة في النضال ضد الحلف الاستعماري الصهيوني.

آثرت القوى الوطنية التحرّرية أن تعتمد الأسلوب التنظيمي الشبكي غير المكرّس في مؤسسات مشتركة، والأقرب الى التنسيق بين قلاع متباعدة، وكان الهدف من ذلك ترك كل جهة ضمن حيّز من الاستقلال في حركتها وخطابها، بما يبني على هويتها الخاصة مضمون المواجهة مع الحلف المعادي. وقد أدى ذلك الأسلوب وظيفة مفيدة حصدت نتائجها الجهات الوطنية المؤتلفة في مقاتلة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية من مواقعها المتعددة والمتفاوتة أحيانا في جذرية خوضها للصراع.

ثانيا: إن المرحلة الجديدة التي يدخلها الصراع ضد الهيمنة الاستعمارية في لبنان باتت تستدعي تطويرا للشكل التنظيمي للتحالف نحو جبهة حقيقية، وعملا موازيا ومتزامنا في تطوير أشكال النضال والمقاومة ضد الهيمنة. وينبغي تأكيد أن أشكال التنسيق والتعاون أدت خلال المرحلة الماضية وظائفها في حماية المقاومة والخيار الوطني التحرّري، لكن المرحلة الجديدة تفترض تطويرا حاسما في الشكل والمضمون. فالبرنامج الوطني المرحلي، المطلوب بلورته اليوم، يتعلق بمعركة التحرّر والاستقلال وبتأسيس عملية انتظام القوى الشعبية والإمكانات الوطنية في الانتقال الى مرحلة جديدة، تفرض أساليب عمل مختلفة. وما يجب على القوى الوطنية أن تتحضّر له هو كيفية إدارة وتنظيم النضال التحرّري ضد الهيمنة بمنهجية تطرح مستقبل السلطة السياسية ومضمونها الاجتماعي والاقتصادي بشكل مباشر.

إن على الوطنيين اللبنانيين أن يتحضّروا لمرحلة جديدة من النضال بتطوير نقاش منهجي حول البرنامج والشكل التنظيمي الجبهوي. فهم اليوم يتصدّون لمهام تتطلّب عملا هجوميا وإبداعا فكريا وسياسيا لم يختبروه سابقا. ولا عذر لأي استقالة من هذا الواجب الراهن أو لإهماله بأي ذريعة.

ثالثا: إن البطالة الفكرية وقوة العادة لا تنسجم مع موجبات النضال المرحلي في هذا الظرف التاريخي. وبالتالي، فعلى تيار المقاومة والتحرّر بجميع أطرافه إدارة وتحريك أوسع نقاش وتفاعل في تداول الأفكار والمقترحات حول كيفية التعامل مع التحديات الكبرى للعمل النضالي. وهذه هي بالذات المهمة التاريخية التي يتوقف عليها مستقبل لبنان.

تحويل التهديدات الى فرص هو الخيار الأصوب في التعامل مع الحصار والضغوط والعقوبات الهادفة الى خنق اللبنانيين. والتكيّف مع هذا النير الاستعماري الخانق ليس سوى استسلام وخضوع يقود الى كارثة شاملة. ومن هنا نوجّه الدعوة الى سائر الأطراف الوطنية بجميع تلاوينها وأطرها التنظيمية، وبسائر التجمعات والشخصيات والأحزاب، لأن الحوار المنهجي الذي يجب إطلاقه اليوم، يمكن أن يُتوّج بجبهة متّحدة، تقود النضال الوطني الى الخلاص بخوض معركة التحرّر، وحسم التناقض لمصلحة لبنان في مجابهة الكيان الصهيوني والهيمنة الاستعمارية الأميركية – الغربية، وتدشين مرحلة إعادة البناء الوطني، التي تنطوي على آفاق واعدة ومهمة للاقتصاد اللبناني ولموقع لبنان الإقليمي. والنكوص عن هذه المهمة هو استسلام وتخاذل أمام وحشية العدوان الأميركي – الصهيوني المصمِّم على خنق لبنان وحرمانه من فرض الحياة، ناهيك عن الازدهار الذي ينشده اللبنانيون.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى