بقلم غالب قنديل

التكتّل المشرقي ومستقبل لبنان

غالب قنديل

يجب أن نسأل المسؤولين اللبنانيين عن آخر اجتماع تنسيقي عُقد بين سورية ولبنان، وسنجد أن العلاقات بين البلدين الشقيقين قد استمرت وتواصلت بقوة العادة، وبأدنى مستويات الاهتمام، رغم أن الملفات الملحة المشتركة عديدة وراهنة ومتشعبة، ويمكن تصنيفها في خانة شديدة الأهمية، ناهيك عن العراق وإيران الشريكتين البارزتين.

 

أولا: إن حجم التشابك والتداخل بين سورية ولبنان على الصعيدين الاقتصادي والشعبي يحتل حيّزا مهما وكبيرا في علاقات لبنان الخارجية. ويحتاج الاقتصاد اللبناني في واقعه الحالي، وبعد الكارثة التي حلّت به الى تطوير الشراكة الممكنة مع سورية في جميع المجالات. وهذا البعد يفرض نفسه في أي تصوّر واقعي لانتشال الاقتصاد اللبناني من دائرة الانهيار والخراب التي بلغها مؤخرا، حيث تمثّل الشراكة مع سورية في الصناعة وفي الزراعة رافعة مهمة للحركة الاقتصادية، وبإمكان هذه الحركة ان تحقق تكاملا في المزايا التي يملكها كلٌّ من البلدين الشقيقين، على نحو يوفر فرصا حقيقية لتطوّر القطاعات اللبنانية المنتجة، ولتطوير أنماط جديدة من التكامل الإقليمي، الذي يمكن أن يتوسع ليضم دولا أخرى شقيقة، تربطها شراكات بسورية كالعراق وإيران. وهو ما يبشّر في حركته الواقعية بنشوء تكتل إقليمي قوي ومتكامل ماليا واقتصاديا.

ما يثير الاستغراب هو السلوك اللبناني الرسمي لطريق إدارة الظهر للخيار السوري – العراقي الذي يجري تجاهله، وتحلّ مكانه تعابير مجاملة فارغة من أي محتوى في الخطب اللبنانية الرسمية دون أيّ جهد في استكشاف فرص التعاون والشراكة وقراءة المصالح اللبنانية في تنميتها، ولا تلوح مبادرة واحدة في سلوك الحكومات المتعاقبة على هذا الطريق. كما أن النقاشات الجدية حول مستقبل الاقتصاد اللبناني تنحّي جانبا، وبصورة غير بريئة، ملفات الشراكة مع سورية بالرغم مما تنطوي عليه من فرص وإمكانات هائلة.

ثانيا: إن التكامل اللبناني السوري والعراقي والإيراني هو مرشّح في الواقع ليكون تكتّلا إقليميا وازنا، ينقذ لبنان من مأزقه الراهن. فالتعاون الصناعي والزراعي وتكامل الخبرات والرساميل يرشّح هذا التكتّل الاقتصادي المشرقي ليتحوّل الى قوة اقتصادية هائلة تجمع بين الإمكانات والخبرات وتمثل حجر الرحى في نهوض المشرق العربي كقوة منتجة متنوعة الموارد، وكقطب في العلاقات الاقتصادية الإقليمية والدولية. وإهمال فرص تطوير العلاقات بين لبنان وسورية والعراق وإيران هو قتلٌ لفرصة تنموية تعني البلدان المحيطة بهذه الدول والشريكة معها، وتحمل طاقة مهيأة للتراكم والتطوّر في مجالات الإنتاج والتكنولوجيا والابتكار، وتملك القدرة على المنافسة العالمية.

من البلاهة بمكان إدارة الظهر لهذه الفرصة، التي يحتاجها اللبنانيون في سعيهم الى النهوض من بؤرة الانهيار والخراب. وإنه لمن المستغرب أن يُهمل هذا الملف الذي يستحق المرتبة الأولى في الأهمية ضمن جدول أعمال إعادة البناء الوطني في لبنان. والغريب أن القادة اللبنانيين يلحون في طرق أبواب الغرب، الذي يدير ظهره، ويكشّر عن أنيابه، ويطلق أفاعيه السامة في أغلفة مظاهر قوته الناعمة على صعيد الملفات الاقتصادية الإقليمية، التي تطمح عبرها الدول الغربية الى افتراس كل ما يمكن أن يشكل مرتكزاً لنهضة القطاعات المنتجة في لبنان أو تطوّر الدور الإقليمي، حيث يمتلك لبنان قوة تفاضلية استنادا الى ثروته البشرية وما تختزن من مهارات وإمكانات.

ثالثا: التكامل القطاعي داخل كل بلد في المشرق وإمكانية التشبيك المشرقي في جميع القطاعات المنتجة وفي خبرات التصنيع والتسويق والزراعة يجعل من هذه المنطقة خزانا لثروات طائلة. والنهضة التي تعيشها إيران، رغم الحصار والعقوبات، في الصناعة والزراعة، وكثافة إنتاجها، وشراكاتها المتطورة في العالم تقدّم نموذجا للإمكانات والفرص التي يمكن أن يحصل عليها اللبنانيون في تطوير إنتاجهم وتسويقه من خلال التكتّل المشرقي الذي نقترحه، وهو سيضيف ميزة نوعية الى الاقتصاد اللبناني بانتقاله من أحادية الاستهلاك الى الإنتاج والتصدير وتطوير الخبرات وتطعيمها ونقلها داخل بلدان المنطقة، فثمة في سورية والعراق وإيران خبرات إنتاجية يحتاجها اللبنانيون في تطوير اقتصادهم، ولا سيما في الزراعة والصناعة والتصنيع الزراعي. بينما، ورغم كل الانهيار الحاصل، يختزن اللبنانيون خبرات لا يُستهان بها في مجالات التصنيع والتسويق، تحتاجها البلدان الشقيقة. ولذلك قلنا ونعيد القول إن التكتل المشرقي سيكون قوة اقتصادية مهمة، يلعب فيها لبنان دورا رئيسيا، ويتكامل مع كل من سورية والعراق وإيران بما يعطيه قوة مضافة لا غنى عنها للتنمية والاستقرار.

بناء على ما تقدّم يتضح أن طريق التقدم والتنمية والاستقرار هو بناء التكتّل المشرقي الذي يجب أن يحمل لبنان رايته كمشروع، ويتقدم الصفوف في العمل لبلورته عبر اتفاقيات نوعية، تدشّن عهدا جديدا من الأخوة والتعاون لما فيه خير بلدان المشرق وتكاملها.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى