بقلم غالب قنديل

الإنقاذ وشروطه بعيدا عن العبث اللبناني

غالب قنديل

تبدو ردود الفعل السياسية على المأزق الحكومي والاقتصادي في معظمها أقرب الى العبث منها الى المواقف المسؤولة التي تعكس إرادة جادّة لإنقاذ البلد بدلا من تقاذف الاتهامات وتصيّد الهفوات وتسجيل النقاط. ومعظم ما صدر من مواقف خلال الأسابيع والأيام الأخيرة ما يزال في حلقة تسجيل النقاط بين اللاعبين السياسيين، في حين تشير الوقائع الى أننا دخلنا النفق المظلم الذي لا تفيد معه كل الألاعيب التي تصرف الانتباه عن كيفية بلورة المخارج الجدّية والناجعة من الكارثة والحلقة المفرغة.

 

أولا: إن الكارثة التي حلّت بلبنان وبوضعه المالي مرشّحة للتفاقم بدرجات عالية وبمخاطر متزايدة خلال الفترة المقبلة. وجميع المؤشرات تفيد بأن البلد دخل النفق الأصعب على الصعيدين الاقتصادي والمالي، وبالتالي فإن حياة الناس سوف تزداد صعوبة، وأعباءهم الثقيلة مقبلة على التضخّم بصورة غير مسبوقة. بينما تقاذف الاتهامات والسجالات حول المسؤولية عما جرى تصرف الانتباه عن النقاش الأجدى في سبل الخروج من الكارثة، وهو ما يتهرّب منه معظم القادة والمسؤولين الذين يستهويهم تبادل الاتهامات ويتصرفون في بعض الملفات وكأن البلد في ظرف عادي، حتى من هم في موقع المسؤولية، يهتمون بما يمكن أن يعفيهم أمام الناس من تبعات الكارثة دون أن يعطوا بالا للمشكلة الأدهى والأخطر، وهي شبح الانهيار الكبير والوشيك الذي يقرع الأبواب بقوة.

ليس بيد أيٍّ كان حلّ سحري لهذا المأزق الذي يستثمره الحلف الاستعماري الأميركي – الصهيوني للضغط على البلد ولإضعاف مناعته الوطنية السيادية، بل وأكثر محاولة هزّ وتقويض المعادلة التي تحصّن المقاومة وتحيطها بشبكة من التحالفات الوطنية التي تجعل النيل منها أشد صعوبة.

ثانيا: المطلوب في مواجهة هذا التهديد هو تحرّك عاجل لحلف المقاومة اللبناني بجميع أطرافه، لتحصين الساحة الداخلية ورسم خيارات جديدة في الموضوعين المالي والاقتصادي، تعزّز قدرة البلد على مواجهة الضغوط وتحاشي الاستنزاف، الذي يدبّره الحلف الأميركي – الصهيوني وعملاؤه.

إنها معركة وجودية، تستدعي رصّ الصفوف، ولا تُقابل بالاستهتار واللاسياسة والمياومة. فلا يمكن أن يكون قرارٌ بعدم الرضوخ للضغوط الأميركية – الصهيونية من حيث المبدأ، وهذا هو هدف الضغط على محور المقاومة بجميع أطرافه، من دون وحدة الموقف والجهود. والمطلوب بصورة أساسية هو وضع خطة لبنانية، تقرّها أطراف الثامن من آذار والتيار الوطني الحر وسائر الجهات المناوئة للعدو الصهيوني والرافضة للاستسلام للشروط الأميركية – الصهيونية دفاعا عن سيادة لبنان واستقلاله. وبكل أسف نقول إنه حتى اليوم لم تُطرح فكرة واحدة تساعد في تعزيز مقومات الصمود لمجابهة الضغوط والتهديدات.

ثالثا: إن المطلوب، الآن وفورا، مبادرة سريعة تتخذها الأطراف الوطنية السيادية بالتكافل والتضامن لمواجهة الخطط المعادية، ولصدّ الضغوط، وهذا ليس أمرا مستحيلا. فبإمكان لبنان أن يعزّز فرص الصمود الاقتصادي من خلال الشراكة مع إيران وسورية والعراق، وكذلك بتطوير العلاقات والشراكات مع الصين وروسيا. وهذا هو السبيل لتدعيم القدرة الشعبية والمؤسساتية على المواجهة. وليس صحيحا أن لبنان مرغم على البقاء محشورا في خانة النفوذ الغربي دون أن يُنوّع خياراته أو يطبّق خطته الخاصة والعملية.

إن الاستحقاق المصيري دفاعا عن السيادة والحقوق الوطنية يتطلّب إعداد جدول أعمال استثنائي، واستقطابا لسائر القوى الوطنية الحية على أساسه، وعدم استثناء أي جهة من إمكانية المشاركة. وسنجد أن إمكانات طائلة يمكن أن تتوفر عن هذا الطريق لتحصّن الموقف اللبناني وتكسبه المزيد من القوة لإرساء شراكات جديدة. ولا مبرّر لمسايرة الولايات المتحدة والغرب عموما، حلفاء الكيان الصهيوني، الذين أضاعوا على لبنان فرصة استباق الضغوط الأميركية – الصهيونية القصوى التي فُرضت أخيرا. فلو جرى قبل أشهر التواصل مع روسيا والصين وإيران وتمّ إقرار الاتفاقات العملية التي تدعم مقوّمات الصمود اللبناني لكنّا اليوم في وضع أفضل بكثير، وأشد ثباتا وتماسكا، ولكان وضع الاقتصاد اللبناني يدفع الحكومة “أي حكومة” للتصرّف بثقة عالية في رفض الشروط والإملاءات. ونقول لسائر الأطراف اللبنانية إن الأوان لم يفت لتجنّب الانهيار ولمجابهة العقوبات الأميركية، لكنه يتطلب قرارا شجاعا وسياديا، وقدرة على استنباط المسارات التي تخدم هذه المعركة السيادية الحاسمة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى