بقلم غالب قنديل

إيران تتحدى الهيمنة بالعلوم والتكنولوجيا

غالب قنديل

منذ انتصار الثورة الإيرانية وقيام الجمهورية الإسلامية ركّز الغرب بقيادة الولايات المتحدة حملته لشيطنة الجمهورية الإيرانية على موضوع برنامجها النووي، الذي سعى الى تصفيته من خلال عمليات الاغتيال المنظمة للعقول والأدمغة المبدعة في الفيزياء النووية، وعبر العقوبات التي استهدفت منع نقل التكنولوجيا والمعرفة العلمية.

 

أولا: إن ما يركّز عليه الغرب في حملته لشيطنة إيران كان ادّعاء سعي إيران الى امتلاك القنبلة النووية وتقنيات صناعتها لتصوير الجمهورية الفتيّة كخطر على ما يُسمّى بالسلم والاستقرار العالمي. بينما كان الغرب الاستعماري يطوّقها ويحاصرها ليمنعها من تنمية اقتصادها الوطني ومن امتلاك التكنولوجيا التي يمكن أن تجعل منها قوة مستقلة وصاعدة اقتصاديا، تخشاها مراكز الهيمنة الغربية، مع امتلاكها لعقيدة تحرّرية قامت منذ البداية على التضامن مع قضايا الشعوب العادلة والتطلّع الى دعم حركات التحرّر المناهضة للهيمنة الاستعمارية. ولذلك، ومنذ اللحظة الأولى، عامل الغرب الاستعماري الجمهورية الإسلامية كدولة معادية في محيطها الإقليمي، لأنها منذ البداية أعلنت دعمها لحركات التحرّر في المنطقة، وتبنّيها لقضية فلسطين، وسعيها الى المساهمة في جميع مستويات التحالف والتعاون بين الحكومات والحركات المعادية للهيمنة الاستعمارية في العالم، والتي وجدت في انتصار الثورة الإيرانية بارقة أمل بتغيير تاريخي في المعادلات والتوازنات، وفي آفاق معركة التحرّر التي تخوضها شعوب العالم.

إن ذلك الإطار التحرّري الذي رسمته الجمهورية الإسلامية لنهجها منذ قيامها حوّلها الى قلعة مشعة في العالم، وجعل منها سندا فعليا لحركات التحرّر والمقاومة في منطقتنا بصورة خاصة. وقد أثبتت التجربة ثبات الخيار التحرّري للقلعة الإيرانية ونجاح الثورة الإسلامية في الاحتفاظ بشبابها وفتوّتها مع مرور العقود التي انقضت، منذ انتصارها وتعاقب أجيال إيرانية حافظت على راية التحرّر المرفوعة ونهج التضامن مع جميع الشعوب المضطهدة، وبالذات مع الشعوب الشقيقة في المنطقة وتحديدا مع شعب فلسطين.

ثانيا: العلاقة الوثيقة التي قامت على وحدة المصير والنهج التحرّري بين إيران وسورية كانت ولا تزال السند الحقيقي لحركات المقاومة والتحرّر في الشرق العربي. ولم تبدّل في الاتجاه التاريخي لنمو الشراكة بين دمشق وطهران جميع التحوّلات والتحدّيات الكبرى ولا الضغوط الاستعمارية والمؤامرات التي تصدّى لها البلدان كفريق واحد. فقد توطّد التحالف بينهما، وتنامت مجالات الشراكة وتوسّعت، وتحوّل هذا الحلف الى محور يستقطب المزيد من الأطراف والقوى الشعبية والحكومات الحرّة. ويمكن القول إن المعارك التي خاضها محور المقاومة خلال السنوات الماضية كانت معموديةًً بالنار لقوة فتيّة عابرة للحدود تُمسِك بمصير الشرق وبناصية المعادلات الكبرى في العالم. وهي كتلة صاعدة تفرض حضورها على جيع عواصم القرار.

إن هذا الحلف الذي يمتلك إمكانات هائلة على جميع المستويات مرشّح ليكون قوة مؤسسة لمعادلات دولية جديدة، بالنظر الى الموقع الاستراتيجي للمنطقة، ولكمية المصالح التي تمثلها في الخارطة العالمية. وكذلك، لآفاق النمو والتطوّر التي يفتح محور المقاومة بواباتها بصورة تغيّر الكثير على المسرح العالمي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.

ثالثا: لقد شكّل انتصار إيران الحرة على العقوبات والضغوط ونجاح الجمهورية الإسلامية في مراكمة قوة اقتصادية جبّارة ومستقلة قائمة على العلوم والتقنيات الحديثة، تقيم شراكات عالمية وإقليمية واسعة، ركيزة ومركزا جاذبا للدول النامية المستلقة التي تتحدى الهيمنة والغطرسة الاستعمارية في العالم. والقدرات الإيرانية الرادعة، التي وضعت حدا للتهديد الغربي في الشرق، توفّر للشعوب الحرّة بيئة مناسبة للدفاع عن استقلالها، وشريكا موثوقا في بناء إمكاناتها الوطنية وقدراتها الدفاعية للتمرّد على الهيمنة الاستعمارية اللصوصية. وهذا التحوّل شكل بارقة أمل للعديد من شعوب وقوميات الشرق المضطهدة، والتي تطمح الى التحرّر والاستقلال وكسر قيود الهيمنة والنهب.

لا نبالغ في تقدير حجم القوة الإيرانية، فهي اليوم قلعة صامدة ومركز إشعاع للعلوم والتكنولوجيا الحديثة في محيطها، وهي قادرة بالشراكات الأخوية التي تقيمها مع الشعوب الشقيقة على نقل العلوم الحديثة والتقنيات المتطورة الى من يحتاجها. وهذا خطر داهم في نظر قوى الهيمنة والنهب الاستعماري، وهو أحد دوافع شراسة العداء لإيران ومطاردتها بالعقوبات وحملات الشيطنة، ومطاردة عقولها المبدعة بالاغتيالات لشلّ فاعليتها على إحدى الجبهات المؤلمة للصوص النهب الاستعماري، وهي جبهة نقل التكنولوجيا الى البلدان الأخرى المتمردة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى