بقلم غالب قنديل

محور المقاومة أقوى من التهديد

غالب قنديل

تحافظ أطراف محور المقاومة على عناصر قوتها وثباتها، وبتماسك سياسي وتكاتف قلّ نظيره تواصل إدارة الصراع بحزم في وجه محور الهيمنة وأطرافه المتعددة، وهي تعزّز معادلات الردع. ولجوء المحور الأميركي – الصهيوني الى التهويل والضجيج لا يعدّل شيئا في مستوى ثبات واستعداد هذا المحور وقدراته الرادعة.

أولا: بالحساب البسيط في الجغرافيا انتقل المحور من كونه تكتلا يضم سورية وإيران وحزب الله، ليكتسب مدى وعمقا أوسع في الجغرافيا، وقوة أكبر وفاعلية أشد. فاليوم باتت تُحتسب في المحور كلٌّ من اليمن والعراق، إضافة الى المقاومة الفلسطينية التي تعاظمت قدراتها خلال السنوات الأخيرة. وغنيٌّ عن البيان ما تمثّله الخرائط الجديدة في المنطقة من تحوّل نوعي في قدرة المحور ومداه وثقله النوعي السياسي والعسكري. وهذا الصعود لقوة إقليمية هائلة بعيدة عن الاستعراض، وحاضرة في المعادلات الكبرى للشرق، يمثّل انعطافة كبرى تقضّ مضاجع دوائر التخطيط الغربي.

إن قوة محور المقاومة دفعت كلا من الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا والحكومات العربية التابعة والكيان الصهيوني معها الى استعجال خطوات تنسيق وشراكة سياسية وعسكرية وأمنية كانت تتحاشاها في السابق، لعدم حشر الحكومات العربية المشاركة في أوضاع حرجة، تعرّضها لتبعات سياسية و”شعبية” مزعجة. فما تحاشاه الغرب طيلة عقود أقدم عليه مؤخرا، وحشر فيه حلفاءه الأقربين، الذين دُفعوا في اتجاه التحالف المعلن مع الكيان الصهيوني سياسيا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا. وهو ما سيسبّب الكثر من المنغّصات والإحراجات، وربما يُعرّض بعض الحكومات المتورطة لظروف داخلية صعبة نتيجة ردّ الفعل الشعبي في بلدانها على التحالف المعلن مع العدو الصهيوني.

ثانيا: من الواضح أن التصميم الأميركي على استنفاذ هوامش التحالفات المتاحة لصالح الكيان الصهيوني يُراد منه، بصورة محددة، بناء سدود في وجه تنامي محور المقاومة وامتداده الى ساحات جديدة. فقد انقلبت الحروب الأميركية المتنقّلة الى عكس ما أراده المخططون خلال السنوات العشر الأخيرة. ويمكن للمراقب الحصيف، البعيد عن سذاجة الانسياق في موجات الدعاية الأميركية الصهيونية، أن يلاحظ حجم الضربات التي تلقاها النفوذ الاستعماري الصهيوني في البلاد العربية. ورغم وجود ساحات ما تزال مسرحا لصراع لم يُحسم بشكل نهائي، لكن معادلات القوة تشير بصورة واضحة وشبه نهائية الى رجحان كفة محور المقاومة وقواه. وهذا ما يمكن استنتاجه في قراءة سريعة لمعادلات القوة والصراع في الساحات الملتهبة، خصوصا بعدما نهضت سورية، وشرعت بالتعافي بعد الحرب التي استهدفتها، وتماسك محور المقاومة مجددا على مساحة المشرق. بينما توالت الانتصارات في اليمن وتعززت قوى المقاومة داخل فلسطين، وتكرّست توازنات جديدة.

إن التحولات الجارية ترسم خطا بيانيا لانقلاب استراتيجي نوعي، لا يملك الحلف المعادي إزاءه إلا الرهان على الاعتراض وعرقلة تبلور المعادلات التي باتت قاهرة. وهذا ما يفرض وضعية جديدة على الصعيد السياسي مع انضمام ساحات باتت مرتكزا لقوى المقاومة والتحرّر بعدما كانت حصونا رجعية، وبؤر استنزاف لمحور المقاومة والاستقلال.

ثالثا: إن المعادلات التي يمكن أن نلمح أنويتها اليوم في أكثر من ساحة عربية مرشحة للصعود والتبلور خلال الفترة المقبلة، رغم المصاعب الكبيرة التي تفرضها العقوبات الأميركية والغربية، وعمليات الاستنزاف العسكري المتواصل لقوى المحور، حيث توضح التطورات وبقوة، أن سياق نمو محور المقاومة وقدراته هو حركة صاعدة بالاعتماد على الحليف الإيراني القوي والموثوق، بالإضافة الى شراكات دولية وإقليمية لا يُستهان بوزنها، سواء على الصعيد الاقتصادي أو في بناء وتكوين القدرات العسكرية الدفاعية المؤهلة لردع الغطرسة الاستعمارية. وهذا ما تبرهن عليه علاقة محور المقاومة بالصين وروسيا وغيرهما من الدول الحرة الرافضة للهيمنة الغربية.

إن الشرق العربي يساهم اليوم بقوته وإمكاناته في إعادة رسم الخارطة العالمية، وهو قلعة استقلال وتحرّر، ستكون شريكة في رسم مستقبل العالم بالتحالف مع جميع الدول التحرّرية الكبير منها والصغيرة. وهذا الشرق العربي قادر على المساهمة في تحرير العالم من الهيمنة اللصوصية البشعة، وتأسيس واقع دولي جديد، يقوم على احترام إرادة الشعوب ومبادئ تكافوء المصالح وتكاملها في العلاقات بين الدول. وهذه معركة لن تكون سهلة أو بسيطة، لكنها معركة التحرّر النهائي من الغطرسة واللصوصية المتوحشة. 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى