بقلم غالب قنديل

قوة المقاومة الصامتة تقلب المعادلات

غالب قنديل

من يتمعّن في مشهد الصراع العربي الصهيوني المتحوّل يستطيع الاستنتاج بكل صراحة أن المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله قلبت المعادلات والموازين، وبات العدو مضطرا لإجراء حسابات دقيقة ومعقدة خشية المفاجآت الصادمة والتحوّلات في موازين القوى.

أولا: يمكن لمن يدقّق في البيانات الصهيونية وفي السجال الإعلامي بين المقاومة والعدو أن يستنتج انقلابا حاسما في توازن القوى. فقد بات الكيان الصهيوني مردوعا ومرتعبا من المواجهة مع المقاومة. ورغم كل العربدة الكلامية الصادرة من واشنطن وتل أبيب. ورغم حملات التوهين الشاملة، التي تُشنّها ضد المقاومة عواصم العار وطوابير المذلّة بإشراف أميركي مباشر، يمكن لمن يقرا المعادلات بدقة وعن قرب، أن يستنتج أننا في عصر جديد انتزعت فيه المقاومة كمحور زمام المبادرة، وبات معه العدو الصهيوني واجفا متردّدا أمام إمكانات الردع الاستراتيجي، التي يملكها محور المقاومة، رغم كل ما خلّفته حروب السنوات الماضية من خدوش وجراح على جبهة معسكر المقاومة التحرّري في البلاد العربية.

والحساب الواقعي لميزان القوى، يكشف لنا أنه رغم الاستنزاف الخطير والخسائر اللاحقة بقوى المقاومة وقدراتها الفعلية خلال السنوات العشر الأخيرة، فإن هذا المحور حافظ على تنمية عناصر القوة والقدرة، وهو متماسك معنويا وسياسيا، ويزداد تمكّنا في جميع المجالات.

ثانيا: لقد لخّص قائد المقاومة السيد حسن نصر الله عبرة المعادلات الجديدة وانقلاب قواعد الصراع وانتقال حلف المقاومة الى المبادرة الهجومية، عندما تحدّث عن الهدف، الذي من أجله قام العدو بتنظيم مناورات عسكرية على الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، كان عنوانها الأساسي الردّ على دخول المقاومة الى الجليل المحتل واستعادته من سيطرة قوات حزب الله. وهذا ما يمثّل اعترافا صريحا من قيادات العدو، ولا سيما العسكرية منها، بانقلاب توازن القوى وبتشكّل مشهد جديد في الشرق، بات معه محور المقاومة صاحب اليد العليا، والعدو الصهيوني بالمقابل يعيش حالة الحذر والترقّب والخشية من هجوم المحور ومبادراته العسكرية، رغم المتاعب والمصاعب، التي أثارها الغرب في وجه سورية وإيران وحزب الله، وما يقوم به من دور خطير في استهداف اليمن بدافع استنزاف المحور وإفقاده القدرة على الحركة.

كلمة السيد نصر الله أكدت بما لا يقبل الجدل أن قدرات المقاومة ومحورها تسجّل المزيد من التطور والتقدم رغم الكلفة العالية للمواجهة. وهذا يعني فشل الخطة المعادية، التي ألقى فيها الأميركيون وعملاؤهم بكل ثقلهم وإمكاناتهم، وما زالوا، في محاولة استنزاف محور المقاومة بجميع أطرافه.

ثالثا: تؤكد الوقائع فشل الخطط الأميركية الصهيونية ضد المحور مع استمرار الثبات والصمود، ومع الانتقال الى المبادرة في بعض الجبهات. في هذه المرحلة بالذات يمكن الاستنتاج أننا دخلنا في حالة انقلاب المشهد، ويمكن لنا أن نتوقع هجوما معاكسا لمحور المقاومة على جبهات الصراع، بعدما نجح خلال السنوات الأخيرة في تبديد الهجمة المعادية ومنعها من تحقيق أهدافها بإرادة صلبة وبعزم شديد يثير الإعجاب. فقد فشلت الخطة الأميركية الصهيونية الرجعية في تفكيك محور المقاومة وعزل أطرافه لمحاصرتها وضربها.

كما فشل الأميركيون في زحزحة الموقف الوطني اللبناني من خلال الضغوط والإغراءات، وبقي موقف لبنان الساعي لانتزاع حقوقه السيادية قاعدة صلبة يلتقي عليها الشرفاء في حلف وطني عريض متناغم يصعب فكّه أيا كانت الوسائل وبكل أدوات الترغيب والترهيب، التي اختبرها الأميركيون والصهاينة مباشرة وبالواسطة، وأشهروا يأسهم برزم متلاحقة من العقوبات، التي استهدفت المقاومة وحلفها الوطني، وجاءت شراسة الهجوم الأميركي لتشهد لصلابة ذلك الحلف ومتانة التزام أطرافه. وهو ما ولّد خيبة شديدة ومرّة للعدو الأميركي الصهيوني وعملائه.

رابعا: إن المقاومة ومنذ انطلاقها عُرفت بمواقفها الدقيقة والمحسوبة، وبإتقانها للتوقيت في إدراة الصراع والابتعاد عن الاستعراض الفارغ، الذي يمارسه العدو الصهيوني الأميركي بشكل دائم ومستمر. فخلال عشرات السنين لم يسبق للمقاومة أن ارتكبت هفوات كلامية، ولم تلجأ الى المبالغة، بل إنها طوّعت المعادلات بأفعالها الدقيقة والمدروسة وبمبادراتها الفاعلة والمحسوبة، وهو ما أكسبها تفوقا على العدو الأميركي الصهيوني، وعلى المعسكر الغربي وعملائه في المنطقة. فمنذ ظهورها والمقاومة صاحبة اليد العليا ميدانيا وسياسيا، وبدون استعراضات كلامية جوفاء، حفرت عميقا في المعادلات، وقلبت المشهد بالتراكم.

واليوم تثبت الأحداث أن يد المقاومة العليا ستكتب الفصول المقبلة من هذا النزال الوجودي. وهي التي ستعلن عن بزوغ فجر جديد في الشرق العربي.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى